Sunday, April 22, 2007

التعافي واللاهوت


التعافي و اللاهوت

بقلم: د. ديل رايان مدير هيئة التعافي المسيحي الدولية

لم تبدأ حركة التعافي من خلال لاهوتيين وإنما كانت بداية حركة التعافي علي يد اثنين من مدمني الخمر في ولاية أوهايو. أظن أن هذه بداية موفقة من قِبَل الله لأنه إن كانت كل مشكلاتنا نابعة من لاهوت عتيق، فبالطبع لن يكفي لاهوتي ضليع ليحل مثل هذه المشكلات. المشكلة علي ما اظن بالنسبة الي معظمنا لا تكمن فقط في أذهاننا وإنما في الطرق التي نحيا بها. نجد هذه الفكرة واضحة تماما في تقاليد برنامج الخطوات لاثني عشر. فهذه التقاليد تقدم كإثني عشر اقتراحا مقدمين للعمل بهم وليس كمجرد أفكار، فليس كل ما نحتاج إليه هو تصحيح الأفكار فقط حتي نتغير. علي سبيل المثال في اجتماعات مدمني الخمر المجهولين نجد هذا المبدأ الذي يؤكد :" لا تستطيع ان تفكر في ما هي الحياة الصحيحة و لكن يجب أن تحيا حياة صحيحة لتفكر بشكل صحيح."

هذا التأكيد علي أهمية التغيير السلوكي لا يشير إلى أن التعافي يهدف فقط إلى تغيير السلوك، ولكن التعافي عملية متكاملة من تغيير السلوك والفكر معاً. على سبيل المثال، يوجد شخصان يرغبان في التوقف عن شرب الخمر إلا أن هناك فارقاً كبيراً بين شخص فقط متوقف عن الشراب، و شخص آخر يسير مسيرة التعافي من إدمان الخمر. الشخص الأول فقط قد توقف عن شرب المزيد من الخمر. فإن كان الخمر هو المشكلة في حد ذاته فان التوقف عنه قد حلها. لكن الخمر في حد ذاته ليس هو المشكلة و لكن ما يكمن وراءه من أمورا أكثر تعقيدا و عمقا تحتاج إلي تغيير جذري. إننا نجد أن عيوب وضعفات الشخصية، هي التي تحتاج كل الاهتمام.

إن مدمن الخمر المتعافي هو شخص مدمن خمر لكنه يمر بكل انواع التغييرات سواء في المشاعر او الروح او العلاقات إضافة إلي تغيرات في السلوك أيضا. تغيير السلوك مهم لكنه يحتاج إلي عدة تغيرات أخري بجانبه لتسانده لكي يصبح ذو معن، والتتعافي المتزن يحتاج لوضع فكر جديد ملئ بالنعمة و الحق بدلا من فكر عتيق مريض لا فائدة منه.

اللاهو ينبغي أن يكون جزءاً هاماً من عملية التعافي المسيحي فاللاهوت المريض قد يعترض طريق تعافينا ليساند إنكارنا و يضاعف مقاومتنا للتغيير و يقوي شعورنا بالخزي المستمر. علي سبيل المثال إن كان هناك من يعتقد و هو يسير مسيرة التعافي بأنه سيحصل في وقت ما علي شفاء معجزي لحظي و أن هذا هو الدليل الواضح علي حضور الله و محبته، فانه بالتالي سينتظر إلي الأبد و سيسير رحلة تعافي بطيئة لن تقوده إلا لمزيد من اليأس. ولكنه إذا طور طريقة تفكيره وأدرك حقيقة طر ق الله التي يعمل بها في العالم فحينئذ سيسير مسيرة التعافي.

عادة يؤمن الاعتماديون إن السعادة الحقيقية لا تأتي إلا إذا وضعنا المسيح في البداية و الآخرون في المرتبة الثانية و النفس في المرتبة الثالثة. لذلك يحتاج الاعتمادي لكي يتعافى، أن يواجه اعتقاداته اللاهوتية التي تقول له: " كن كاملا" أو "كن مثاليا" مثل الله. من أصعب الأمور بالنسبة لهؤلاء، هو استقبال نعمة الله التي يشتاق لان يمنحها لنا.

إن وصية "كونوا كاملين" لا يمكن أبداً أن نفهمهما كما لو كان الله يطالبنا بالكمال لكي يحبنا أو يقبلنا، فهذا يتعارض مع تماماً مع بداية الموعظة على الجبل:" طوبى للمساكين بالروح لأن لهم ملكوت السموات." الله يعد بالملكوت للفقراء روحياً وليس للكاملين. ولكن وصية "كونوا كاملين" هي دعوة للتحرك نحو الكمال. أي التغيير. هذا بعد التأكد التام من القبول كما نحن.

لكن إذا كنا قد تربينا في أسرة تطالب أفرادها بالكمال ولا تغفر ولا تعطي فرصة للخطأ والصواب والتعبير عن المشاعر، فإننا نفسر وصية "كونوا كاملين" بطريقة غير السياق الكتابي التي جاءت فيه ونعتبر أن المسيح يقول، كما كان آبائنا وأمهاتنا يقولون: " كونوا كاملين، لكي نحبكم!"

إن رحلة التعافي رحلة صعبة و معقدة بالنسبة لنا جميعا. فهي تحتاج لعدة تغييرات . بعض هذه التغييرات ستجعلنا نعيد التفكير في معتقداتنا اللاهوتية ونظل نصارع فيها كجزء من تعافينا المسيحي.

النظرية و التطبيق

دعوني أوضح هنا أهمية فهم الفرق بين اللاهوت النظري و بين اللاهوت التطبيقي الذي نعيشه في حياتنا العادية كل يوم. قد نري هذا الفرق ببساطة في شعورنا تجاه الله. نجد أن اللاهوت النظري يتضمن تأكيدات بان " الله محبة" أو أنه " طويل الروح "و نصدق هذه الحقائق وإذا تعرضنا لأي امتحان في أي وقت عن "شخصية الله" فسوف نجاوب الإجابات الصحيحة دائماً. التعليم النظري مهم ولكنه ليس كل شيء.

نحن جميعا نعلم كم هو سهل علينا أن نؤمن بان الله محبة و لكن هل يمكن أن نأخذ هذه الدلالة العملية لنحيا هذه المحبة في حياتنا اليومية؟ إن الله قد يبدو لنا نظريا محباً أما عملياً، فقد تتكاثر مخاوفنا من نحو الله و تتسابق مع معتقداتنا الراسخة عنه. قد نؤمن أنه محبة ويحب الجميع، لكن نجد صعوبة أن نصدق أنه يحبنا نحن.

إن نوع اللاهوت الذي يعتبر مهما في عملية التعافي هو اللاهوت الذي يتعامل مع صراعاتنا الشخصية الحقيقية. إن الأفكار المجردة و العامة و النظرية لا تساعد أبدا شخصا يصارع في أصعب مشكلات الحياة . لذا نحن نحتاج لان نركز نظرنا علي اله نحيا معه يومياً– إله نستيقظ معه في الصباح , يشكل تفكيرنا و مشاعرنا من نحو أنفسنا. هذا الإله قد يكون مختلفا تماما عن إله النظريات اللاهوتية.

قد يكون إله النظرية اللاهوتية إلها محبا لا يحتفظ بسجلات للخطية، و لكن إله صراعاتنا و مشاكلنا هو إله مستغل و متقلب المزاج، ويبدو أنه لا يعتمد عليه. فإن كنا نؤمن بعقولنا أن الله محبة ونتصرف كما لو كان الله ناقد ومعاقب باستمرار حتى إذا ا قترفنا خطأ صغير، فإن هناك لاهوتاً آخر في قلوبنا بعكس لاهوت عقولنا. إن كانت النظرية اللاهوتية تقول أن الله قريب من ا لمنكسري القلب، بينما نحن نتصرف كما لو كان الله بعيداً لا يأبه بنا، فإن هناك لاهوتاً آخر في قلوبنا عكس لاهوت عقولنا.

لا اعني هنا أن اللاهوت النظري ليس له أي أهمية و لكن معظم المسيحيين في مسيرة التعافي يجدون أن اللاهوت النظري لا يساعدهم في مسيرة تعافيهم. في برنامج الخطوات الاثنا عشر نبدأ بجملة مثل: " يوجد اله و لكنه ليس أنت". إن عدت الي كتب اللاهوت المعاصر ستجد حتما هذه الحقيقة من بديهيات الإيمان الذي يستحق أن ينال كل انتباهنا. و لكن للأسف هذا ليس بديهياً لمن يسيرون مسيرة التعافي.

لكنا نؤمن أننا لسنا الله، ولكننا نحاول السيطرة على الحياة والآخرين كما لو كنا نحن الله، بالرغم من أن الله نفسه لا يسيطر وإنما يعطي الحرية. لذلك نحن في مسيرة التعافي لا نحتاج للاهوت نظري وإنما نحن نحتاج إلى تطبيقات عملية تجعلنا نتوقف بالفعل عن لعب دور الله في حياتنا. على سبيل المثال:

- نقبل أنفسنا كما نحن

- نقبل الآخرين كما هم ولا نضغط عليهم لكي يختاروا ما نريدهم أن يختاروه

- نقبل الحياة كما هي دون استياء أو امتعاض.

- نحاول أن نغير ما نستطيع أن نغيره ونقبل ما لا نستطيع أن نغيره، لكي يغيره الله في وقت.

- لا نحاول أن نفعل كل شيء في نفس الوقت ونقبل محدوديتنا

إذا ما هو نوع اللاهوت المناسب لمن يسيرون مسيرة التعافي . أظن أنها قائمة طويلة و لكني هنا سأتحدث عن ثلاث نقاط فقط و هي : النعمة و قيمة النفس و عملية التصليح او التحول السريع. النقطة الأولي و الأهم لمن يسير مسيرة التعافي هي مضاعفة الحديث عن لاهوت محوره النعمة.

النعمة و الإنجاز

الدور الوحيد الذي يمكن للأطفال القيام به في أسر مضطربة هو دور أساسه الإنجاز، فهناك الطفل البطل مصدر فخر الأسرة وهناك مهدئ العاصفة الذي يقوم بحل كل المشكلات، وهناك الطفل المنسي الذي يجيد فن ا لاختباء وألا يشكل مشكلة مطلقاً. و هكذا تدور الدائرة. نتيجة لهذه الخبرات السابقة الكامنة باعماقنا، نجد أننا ننجذب الي لاهوت يرتكز علي الإنجاز دون غيره، وحتى إن كان لاهوتنا النظري مبني على النعمة، فلاهوتنا العملي الاختباري الذي يحدد أفكارنا ومشاعرنا وسلوكياتنا، هو سلوك مبني أساساً على الإنجاز.

فعلي سبيل المثال نجد كنائس تتحدث دائما عن النعمة و لكن ينتهي بها الأمر في التركيز علي فعل الصواب و أخذ الاختيار الصائب دائما ثم العمل علي إخراج أفضل شهادة عن انفسنا و عن الله لنكون في أفضل مظهر و نتميز دائماً بالطاعة العمياء. قد يكون هناك الكثير من اللاهوت الذي يتحدث عن النعمة و لكن عندما نأتي الي تطبيقه علي حياتنا اليومية يبدو هذا مستحيلا. نتيجة لهذا تنتهي علاقتنا بالله الي شعور مستمر بالرغبة في إنجاز أفضل شئ له وأنني يجب أن أكون دائماً فرحاً ودائماً أشعر بمشاعر إيجابية ويكون دائماً توجهي إيجابياً في الحياة وأتصرف التصرفات السليمة لكي أكون مقبولاً عنده. أما عندما أخطئ فإني أتشكك كثيراً في استمرار محبته لي.

هذا بالرغم من أن يسوع لم يشعر بالمشاعر الإيجابية دائماً وقال أن نفسه حزينة حتى الموت وبولس فقد رجاءه في مرات كثيرة حتى أنه قال أنه امتلاً بالمخاوف و يأس من الحياة نفسها، وفي مرات راح يفتخر بنفسه، ثم أدرك أنه قد صار غبياً وهو يفتخر. كل هذا ولم يشك لحظة في محبة الله له. أو ربما شك!

إن السماء لا يتم حجزها لأناس لديهم كل الإجابات الصحيحة لكل الأسئلة. تذكر مواجهة المسيح مع الفريسيين؟ كانوا في عصره يعرفون كل الإجابات الصحيحة لكل انواع الأسئلة. لم يأتي المسيح ليشجع هذا النوع من الروحانية. إذا قام هؤلاء بسؤالك، اهرب منهم و جرب مكان آخر و لا تهتم بأن تكون "صح" دائماً لكي تكون مقبولاً، ستعرف حينئذ بأنك تقترب من أبواب السماء الحقيقية عندما تري أبوك السماوي هو الذي يركض إليك قبل أن تصل لهذه الأبواب. انه يركض نحوك ليحتضنك, أنت لا تحتاج لان تقوم بأي إنجاز من اجله او حتي بان تلقي خطابا أمامه. أنت محبوب كما انت دون أن تفعل شيئا. حينئذ تعرف بانك قد وصلت الي البيت و هذه هي الطريقة التي بها تتـأكد بأنك وصلت الي أبواب السماء الحقيقية.

إن ما نفعله في التعافي هو كل ما يجعلنا أناس أكثر قدرة علي اختبار نعمة الله و محبته مما يأتي لنا بالشفاء النفسي و الروحي تدريجيا. هذا يساعدنا علي أن نقول لا لكل الأنماط القديمة للقبول المبني على الإنجاز، لننطلق الي نعمة الله الغنية التي لا يصدقها عقل.

على سبيل المثال:

- نقول الحقيقة عن كل صراعاتنا وأخطائنا.

- نطلب المساعدة عندما نحتاج إليها ولا نعيش وهم أننا قادرون على مساعدة أنفسنا بأنفسنا.

- نغفر لأنفسنا عندما نخطئ ونقوم ونحاول من جديد.

- نعترف بأخطائنا في حق الآخرين ونرد المسلوب ونقبل غفرانهم لنا ببساطة.

إن النعمة ليست فكرة لاهوتية بسيطة او هامش في نهاية الكتاب المقدس و لكنها الفكرة الأساسية التي يرتكز عليها الكتاب المقدس. اللاهوت المبني علي الإنجاز والخزي في حالة عدم الإنجاز هو لاهوت لا يمت بصلة للكتاب المقدس.

لماذا إذاً عندما نثور علي آلهة الخزي التي في حياتنا، نجد أنفسنا نعود مرة أخري الي هذا اللاهوت؟

الإجابة هو أن النعمة أمر جديد عينا لم نعتده، لذلك فنحن نقاوم النعمة و نفضل الخزي بطرق أخري كثيرة. قد يكون الخزي أسوأ شئ في الحياة و لكن هذا هو ما اعتدنا عليه و نعرفه جيدا. لقد صار الناس يذهبون الي الكنيسة للحصول علي الخزي أكثر من النعمة؟ لماذا؟ أنا لا اعرف إجابة عن هذا السؤال لكن ما اعرفه هو أهمية أن نعود لنضع النعمة في مكانها الصحيح لتصير هي المركز. ليس لان هذا هو ما يحتاجه الناس في التعافي و لكن لأنها الأخبار السارة. بدون النعمة تفقد الكنيسة حقيقتها تماما.

هناك جزء آخر من التعافي و هو صراعنا الدائم ألا نُحمل أنفسنا أكثر من طاقتها," لا ترتبكوا بنير عبودية". ( غل5: 1). إن عبودية الخزي هي الجذر الأساسي للروحانية المبنية علي الإنجاز وهي عبودية قاتلة للنفس . التعافي هو صراع ندخل فيه لندع النعمة هي التي تملك علي قلوبنا و حياتنا كل يوم. ليعطنا الله اليوم النعمة التي نحتاجها حتي نسلم أثقالنا و أحمالنا التي ترتبط بالإنجاز الروحي و نستطيع أن نستقبل النعمة و السكينة و سلام الله الذي يتوق أن يعطينا إياه.

التصليح (وصفات سحرية للتغيير اللحظي)

هناك تأكيد لاهوتي آخر يعتبر من الامور المهمة جدا لمن يسيرون مسيرة التعافي و هو أن التغيير عملية تدريجية. لتعافي يأخذ الكثير من الوقت. و لكننا بالطبع لا نحب أخذ وقت طويل فنحن أصبحنا نفضل السرعة في كل شئ. أتذكر انه في أول مسيرة تعافيَ كنت أقول لله أني لا آبه بأي الم قد أتعرض له، طالما أن العملية ستكون سريعة جدا. هذا هو ما كنت احتاج إليه أكثر من كل شئ. أنا أعلم إني لست الوحيد الذي يفكر بهذه الطريقة. إن كل العالم المعاصر من حولك يجري بسرعة كبيرة. فإن لم تكن سريعاً بالقدر الكافي، فكل من حولك سيعتبرون أن بك عيباً ما.

فكر في السؤال الاستنكاري التالي: هل لازلت تصارع في هذا الأمر حتي الآن؟! ياااه هل مازلت تصارع؟! لقد سمعنا مثل هذا الكلام أكثر من مرة في حياتنا. قد يكون من يقوله شخص صادق يريد مصلحتنا بالفعل، لكن بغض النظر عن نوايا هذا الشخص فان هناك رسالة تكمن وراء هذه الأسئلة مفادها أن السرعة علامة على النجاح الروحي والبطئ علامة على الفشل الروحي والأخلاقي. كأنها تعني " إن كنت حقا تؤمن بالله كان يجب أن تكون أفضل حالا الآن."

كيف تم ربط السرعة بالأفضل و البطء بالفشل إذا؟

الفكرة المحورية في اللاهوت على مر التاريخ هي: " اتخاذ القرار" Decisionism لذلك كان من ضمن أهم خصائص العلاقة مع الله هو مدي قدرة الإنسان علي اتخاذ قرار – ليختار.

من التقاليد في النهضات الكرازية اعتدنا أن ندعو الناس للتقدم للأمام لاتخاذ القرار واعتدنا أن نقول لهم أن مشكلتك يمكن أن تحل الآن إذا اتخذت القرار. بسبب ذلك يعتقد البعض أن "السرعة" هي طريقة عمل الله دائماً فكما كان اتخاذ القرار باتباع المسيح قراراً سريعاً غير حياته بالكامل، فإن كل شيء بعد ذلك يمكن أن يتغير بنفس الطريقة: "اتخاذ القرار"

كنت قد تحدثت منذ عدة سنوات مع أستاذ في أكبر كليات اللاهوت بأمريكا و كان يصر علي أنه لم يقابل أبدا شخصا لم يستطع حل كل مشكلاته في خمس ساعات بما في ذلك الإدمان والمرض العقلي وأشياء كثيرة !

فقلت له: ماذا لو اتخذ التغيير وقتا اطول؟ فأجاب: حسنا، في هذه الحالة، أظن أنه قد يعاني ضعفاً في الإيمان، أو أنه لا يريد حقاً أن يشفى، أو ربما لم يعرف المسيح من البداية. وهكذا فإن التأكيد الدائم علي السرعة في الروحانية، عادة ما يقود الي الحكم علي الآخرين أو إدانتهم. عندما يأخذ التغيير وقتا اكثرمما نتوقع.

في رأيي، هذا التأكيد على التغيير السريع واللحزة يعد لاهوتاً غير فعال خاصة بالنسبة لمن يسيرون مسيرة التعافي فالمشكلة بالنسبة لهم ليست دائماً الاختيار. تقريباً كل مدمن قابلته في حياتي، كان يريد أن يقلع عن إدمانه بل وقد اختار من قبل وحاول أكثر من مرة، لكنه لم يستطع. نفس الشئ يمكن تطبيقه علي من تعرضوا للإساءات.

هل قرارهم بان يتحرروا من الخوف و الخزي ينفع دائماً ؟ هل القرار بترك هذه الآلام عند أقدام الصليب سيحل هذه المشكلة بالسرعة المطلوبة ؟ لا. ليس بالنسبة للكثيرين منا. لن تشفع لنا مجرد رغبتنا في التعافي، ولكن سنحتاج تغيير أموراً كثيرة.

الاختيار ليس سوى جزءاً من عملية واسعة النطاق من المساندة والتغيير الداخلي تتطلب وقتاً طويلاً إن برنامج الاثني عشر خطوة هو أفضل مثال علي هذا وذلك من جهة المساندة و القوة التي يمنحها هذا البرنامج لأعضاءه في هذه العملية المستمرة هناك مساحة في الاثني عشر خطوة للاختيار :" لقد اتخذنا قرارنا بان نسلم إرادتنا و حياتنا إلي عناية الله." ولكن هذا ليس قراراً منفصلاً يصنع كل الفرق وإنما هو جزء من عملية مستمرة من التغيير.

هناك خطر آخر يكمن في لاهوت اتخاذ القرار. لقد قابلت عددا من الناس الذين قرروا أن يتوقفوا عن الشرب و في لحظتها تخلصوا من رغبتهم الملحة للشرب بعد عدة سنوات من الإدمان. أنا اعتقد أن هذا شفاء حقيقي و لحظي بالنسبة لهؤلاء. لكني لم أقابل عائلة واحدة قد تخلصت من آثار هذا الإدمان عليها في لحظة او حتي قابلت شخصا ممن تخلص من رغبته الملحة في الشرب في لحظة و تخلص ايضا في نفس اللحظة من أفكاره غير النقية او عيوب شخصيته أو ضعفاته التي يعاني منها يوميا. عادة ما نجد أن الذين تخلصوا من إدمانهم بهذه الطريقة، وقد وقعوا في ادمانات أخري فبدلا من إدمان الكحول أدمنوا الجنس مثلاً، أو الطعام، أو العمل. نحن جميعا نعلم أن التوقف عن الشرب ليس هو المشكلة في حد ذاته فالإدمان مرض في الشخصية يظهر في صور متعددة وليس التعافي مجرد ا لتوقف عن شيء وإنما هو تغيير عميق في الشخصية والأفكار والعلاقات.

مرة أخري أنا لا أقول أن لاهوت اتخاذ القرار بالشئ السئ. إن قرار اتخاذ المسيح مخلص شخصي أمرا مهما .. يجب ان نُذكر من يسيرون مسيرة التعافي دائما بان عملية التعافي تأخذ وقتا طويلا و لكنها ممتعة أيضا. إن السرعة ليست القيمة الوحيدة في الحياة. لقد أمضي موسي أربعون سنة يرعي الخراف. هل هذه علامة علي الفشل؟ لقد بدأت خدمة يسوع العلنية بعد أن تم الثلاثين من عمره. عاني أيضا الرسول بولس من شوكة في الجسد التي ظلت تؤرقه طوال حياته. هل أي من هذه الأشياء علامة علي عدم الإيمان؟ بالطبع لا. لا و لكن كل شئ يأخذ الوقت المناسب.

تعتبر من أكثر الجراحات المفيدة بالنسبة لي هي جراحة السرطان . انك عادة لا تسأل الطبيب بعد الجراحة كم أخذ من الوقت ؟ بل تسأل هل استأصلته بالكامل ؟ الدقة و ليس السرعة هي مقياس النجاح. إن الإيمان المفيد بالنسبة لمن في مسيرة التعافي عادة ما يتضمن شعورنا بالامتنان من نحو صبر الله من نحونا لأنه طويل الروح . الله لا يحتاج لأن يسرع في عمله. إن الله أمين فهو سيظل معنا في هذا الطريق مهما استغرق من وقت. لم استمع قط الي شخص يشتكي بان التلمذة تأخذ العمر كله. او أن القداسة لا تتوقف أبدا. التعافي مثل هذه الأمور تماماً إنه أمر نعيشه كل يوم. إنها رحلة تستحق أن تستغرق الحياة كلها. لينعم علينا الله اليوم بنعمته حتي نكون أكثر صبرا و مثابرة مهما تتطلب هذا من وقت.

قيمة ا لنفس

إن ثالث نقطة لاهوتية هي جزء آخر من الصراع في حياة المسيحيين في التعافي و هو كيف نفكر و نشعر حيال أنفسنا. هذا الأمر ليس سهلا بالنسبة لجميعنا سواء للمدمنين او للناجين من الإساءات بأنواعها او لأي شخص منا. إن أول ما يتبادر لأذهاننا بطريقة تلقائية هو التطرف في احد الجانبين. إما أن نشعر بأننا بلا قيمة تماما او بأننا عظماء . كلا النقيضين أصلهم الشعور بالخزي. أحيانا نرغب في تغطية هذا الخزي بحب الذات المبالغ فيه او الشعور الزائف بالعظمة ثم في أحيان أخرى نشعر بسبب يأسنا بأننا بلا قيمة.

إن اصل المشكلة تكمن هنا في شعورنا الدفين بعدم الكفاءة، مما يتسبب في تشوهات بأفكارنا و شعورنا من نحو أنفسنا. للأسف أظن أن غالبية ا لمجتمع المسيحي يعتقدون أن أفضل شيء تشعر به تجاه نفسك هو أن تشعر أنك شخص سيء. وأنه كلما اعتقدت أنك سيء كلما كنت متواضعاً أكثر وكلما تجاوب الله معك بشكل أفضل.

هذا ما نطلق عليه لاهوت "الدودة" ـــ أنا دودة لا إنسان! , ليس من الغريب ان تجد مثل هذا اللاهوت في المجتمع المسيحي. عادة يصارع المسيحيين مع الإدمان او الإساءة او الصدمات النفسية ليجدوا أنفسهم منجذبين نحو مجتمعات مغروسة في لاهوت صغر النفس هذا ذلك لأنه يتماشي مع شعورهم بالنقص و بأنهم بلا فائدة او قيمة. إننا نشعر بالألفة مع هذا الرسائل لأننا عشناها في طفولتنا والإنسان يشعر برغبة غريزية للعودة إلى البيئة التي تربى فيها. فلماذا إذا لا نضيف صوت الله للأصوات الداخلية المألوفة التي تقول لنا," أنتم أولاد سيئون." " لا تستطيع أن تفعل أي شئ صائب حتي و إن بذلت المزيد من المجهود". " أنت فاشل!" " لا فائدة فيك!".

لكن هل هذا هو ما يعلمنا الكتاب المقدس إياه؟ هل هذه هي الأ خبار السارة ؟ لا . إنها لا تمت بصلة لأي اخبار سارة. دعونا نلقي نظرة علي مثال متطرف إلى حد ما لنرى نوعية هذا اللاهوت.

عندما نتكلم عن أن الله قدوس لا يحتمل أن يرى الشر ونحن أشرار، إذاً الله لا يحتمل أن يرانا بدون أن يغطينا يسوع ويقف بيننا وبين الله حتى أن الله كلما ينظر إلينا يرى يسوع ولا يرانا. أظن أن أغلبنا قد سمع مثل هذه العظات في وقت ما من حياته حيث تكون هذه الفكرة هي محور العظة.

كيف تتمشى هذه ا لفكرة مع قول المسيح: " ولست أقول لكن إني أنا أسأل الآب من أجلكم، لأن الآب نفسه يحبكم، لأنكم أحببتموني، وآمنتم أني من عند الله خرجت."

ان كان أحدنا قد شعر بأنه لا وجود له وسط عائلته ، وكان دائماً يتجنب رؤية أبيه له، فستكون هذه الفكرة اخبارا سارة بالنسبة له لأن الله أيضاً لن يراه.

هل الإله الذي لا يتحمل أن يرانا أو نوجد في محضره، هو نفس الإله الذي جاء يسوع المسيح ليعلن لنا عنه؟ إن كنت تفهم رسالة المسيح وكفارته بهذه الطريقة فأنا أشجعك أن تتامل قصص و أمثال المسيح في الكتاب المقدس و خاصة مثل الابن الضال. كان الأب يبحث يوميا عن ابنه في الأفق. هل عاد الي البيت ام لا. وعندما رآه آتياً من بعيد، ركض إليه سريعاً. لم يمنحه فرصة ليكمل حديثه الذي أعده والخطبة التي تدرب عليها. كان الآب هو المبادر بالمحبة والقبول والإكرام.

ماذا تظن كانت نظرة الآب للابن الخاطئ، هل كان مستاءا ؟ متجنبا ؟ بالطبع لا. لقد كان هناك حب وفرح صادقان يلمعان في عيني أبيه. لم يحتج الابن أن يختفي أو يتجنب بعد الآن فهو مقبول تماماً في محضر أبيه.

هل الله يتجنبنا لاننا خطاة؟ إن كان لديك أي تردد أو استفسار بشأن الإجابة فأرجوك أن تعود لقراءة الكتاب المقدس. هل تجنبنا الله في وقت ما؟ أم أن الحقيقة هي العكس تماما؟ ألم ياتي اللله إلينا؟ عندما رأى الله عيوب شخصياتنا وضفعاتنا وانكسارنا وألمنا، ماذا فعل؟ لقد جاء الله إلينا ليصير معنا وليجعل حياتنا أفضل.

إن محبة الله لنا ليست هشة لتنكسر إن رأى انكسارنا و اعوجاجنا و خطيتنا. مبارك الله ابونا و سيدنا يسوع المسيح الذي لم يخف نفسه عنا و عن وضعنا الميئوس منه لقد رأى الله كل شيء ولم يأت ليعاقب أو يعير. نحن لسنا "دود" أو طفيليات بالنسبة له بل نحن لديه أبناء أعزاء. قد يستغرق الأمر سنوات حتى تستقر في أعماقنا وهذا هو النمو في النعمة والنضوج في مسيرة التعافي.

علي أي حال فلقد تعلمنا و نحن مجروحين و مكسورين كيف نفكر بهذا المنطق في أنفسنا. نحن نصارع يوميا في التعافي كي لا نفكر بهذه الطريقة بل نفكر في الافضل من نحو أنفسنا و نكون صادقين و نحن نقيم أنفسنا. الصدق هو أهم عامل هنا. نجد في تقاليد برنامج الخطوات الاثنا عشر، أن جزءاً مهماً من تقييم النفس يتضمن عمل جرد صادق و أمين من نحو انفسنا. قد لا يكون جردنا لانفسنا مشجعا تماماً. و لكن استمرار عمل هذا الجرد يكسبنا الصدق و الشجاعة. والشجاعة ليست فقط

في عمل هذا الجرد ولكن في الاستمرار في الأيمان بأن الله لا يزال يحبنا ويرى أننا ذوو أهمية قصوى بالنسبة له مهما كانت في شخصياتنا من عيوب. الحب وحده هو الذي يمكن أن يحفظنا عندما نشعر بمشاعر خزي أو ذنب أو رفض. نحن نسعي لنقوم بجرد اخلاقي صادق دون خوف لأننا نريد الله أن يملئنا بمحبته . ليمنحنا الله السكينة لهذا اليوم لنفكر و نشعر تجاه انفسنا بطرق موازية لما يفكر فيه الله تجاهنا بحبه و نعمته الفائقة من نحونا.

Saturday, April 7, 2007

الاثنتي عشر خطوة وعلاج إدمان الجنس

The Twelve Steps and Treatment of Sex Addiction

في هذا الفصل سنحاول أن نستعرض كيف تتعامل زمالة الاثنتي عشر خطوة مع الجوانب المختلفة للنظام الإدماني في حالة إدمان الجنس.

توصيل الرسالة (زيارة الخطوة الثانية عشر)

عندما دخل بيل ويلسون ود. بوب سميث (مؤسسا مدمني الخمر المجهولين) مستشفى مدينة أكرون بولاية أوهايو في يونيو 1935 لزيارة بوب د. كانا يقومان بزيارة الخطوة الثانية عشر الأولى في تاريخ مدمني الخمر المجهولين. لم يكونا يحاولان مساعدة بوب د. ولكنهما كانا مقتنعان أنهما إذا وجدا مدمن خمر آخر يشاركهما في زمالة التعافي، فهذا من شأنه أن يجعل تعافيهما يستمر. لأول مرة شعر بوب د. أن أحداً يحتاج إليه وأن له قيمة لعلاج شخص آخر!

بهذا العمل قام د. بوب سميث وبيل ويلسون بتحدي المنظومة الفكرية الأساسية وراء الإدمان وهي أن المدمن بلا قيمة ولا يستطيع أن يساعد أحد. عندما شاركا بقصتهما مع بوب د، أدى هذا إلى توصيل مزيد من القبول لبوب د. الذي شعر أنه ليس وحده فيما يعاني منه وهذا كسر عزلته وإحساسه المرضي بالوصمة والنبذ. وهكذا اختبر بوب د.لأول مرة منذ سنوات طويلة علاقة عميقة ذات معنى مع أشخاص آخرين يقبلونه كما هو.

قوة مجتمع التعافي

عندما يحضر المدمن الاجتماعات ويرى أشخاص مثله، ويستمع إلى قصص تعافيهم، فإنه يستطيع أن يستشرف تعافيه قبل أن يحدث. لذلك فإن رواية قصة التعافي، من العناصر الهامة للشفاء وذلك للأسباب الـتالية:

· اختبار القبول غير المشروط من أشخاص يعرفون كل الأسرار و مع ذلك يقبلون ويحبون.

· التعلم من خبرات الآخرين.

· المساندة الجماعية لأشخاص يصارعون مرضاً واحداً ويعيشون في عالم لا يساندهم كما ينبغي.

· يدرك المدمن أنه غير فريد في سوء حالته و أن هناك آخرون مثله يعانون من مثل ما يعانيه.

· أيضاً المشاركة تكسر حاجز العار والسرية الذي يغذي العملية الإدمانية وتضع بدلاً منه معتقدات محورية أخرى إيجابية.

· ردود الأفعال التي يحصل عليها المدمن خلال الاجتماعات أو بعدها تساعده على تصحيح منظومته الفكرية، والخروج من معتقداته المشوهة وكسر الإنكار والإسقاط والشعور بالتفرد والتعالي و التبرير وغيرها.

· عندما يدرك العضو الجديد أن مشاركته اثرت إيجابياً في شخص آخر فإن هذا يشعره بالقيمة والأهمية.

· علاقات المحاسبة المتبادلة تعيد المدمن من عزلته للحياة في مجتمع من البشر المنتمين لبعضهم البعض، كما أن الالتزام المشترك يصنع مجتمع مترابط بصورة خاصة.

· دخول مدمنين جدد مهم جداً لتعافي القدامى، لأنه يذكرهم كيف كانوا، وكيف يمكن أن يصبحوا مرة أخرى إذا أهملوا تعافيهم. هكذا فإن المدمن القديم ضروري للجديد والجديد أيضاً ضروري للقديم.

التعامل مع الفقد

بالنسبة لمدمن الجنس، علاقته بالجنس هي العلاقة الرئيسية في حياته التي تمده بالرعاية والحنان والخط الأول للتعامل مع الضغوط. لذلك فإنه عندما يتخلى عن هذه العلاقة، يختبر ألم فقد حقيقي. يظهر ألم الفقد هذا في صورة.

- شعور بالارتباك والحيرة ماذا يفعل وأين يذهب

- أحلام يقظة وأفكار سحرية تدور حول تمني تغير الظروف

- حزن على الحياة الضائعة.

- أفكار موت وانتحار

- مشاعر اغتراب

برنامج ال 12 خطوة يساعد المدمنين أثناء التعامل مع الفقد.

أولاً: في مرحلة الصدمة والإنكار، تساعد الخطوة الأولى المدمن أن يعترف بعجزه وعدم قدرته على إدارة حياته. في هذه الخطوة يقوم المدمن بعمل جرد يوضح فيه كيف كان الإدمان أكثر قوة منه في الكثير من الأحداث والمواقف. خلال هذا الجرد يقوم المدمن أيضاً بشرح كيف أصبحت حياته غير قابلة للإدارة و غير محتملة. يساعدهم البرنامج من خلال هذه الخطوة أن يواجه الفقد ويعترفوا به. مما يساعد على ذلك هو ذلك الوعي العام بالاعتراف بالعجز بين الجميع مما يرفع الشعور بالوصمة.

ثانياً: بعد كسر الإنكار وتجاوز الصدمة، يشعر أغلب الناس بالغضب. عندما نفقد عزيز بالوفاة، فإننا ربما نشعر بالغضب من الله أو من الشخص المتوفي أو من أنفسنا لأننا لم نفعل ما يكفي لإنقاذه! يشعر المدمن بالغضب من الله لكونه أصبح مدمناً أو غضب من نفسه أو غضب بسبب اضطراره للتخلي عن إدمانه، ربما يحدث أيضاً نوع من المساومة. مثل: "ربما أنا لست مدمناً تماماً" ، يحدث هذا كثيراً بين من يتسم إدمانهم بفترات الإغراق ثم التوقف لفترات طويلة bingers . خلال هذه الفترة تعلب الخطوتين الثانية والثالثة دوراً هاماً من خلال خطوة الثقة في القوة العظمى بالاعتراف بوجود هذه القوة العظمى ثم التسليم لها. الغضب والاستياء والمساومة، مشاعر تنبع من الخوف والرغبة في السيطرة، لذلك فإن خطوة الثقة والتسليم تتعامل مع هذه المشاعر. خبرة القبول التي يحصل عليها المدمن من المجموعة تسهل من خطوة الثقة والتسليم.

ثالثاً: بعد الغضب ربما يأتي الاكتئاب بكل ما فيه من رؤية سلبية للنفس تصل للشعور بالخزي والعار و كراهية النفس. عندئذ تأتي الخطوات الرابعة والخامسة والتي فيها يقوم المدمن بعمل جرد أخلاقي شامل لحياته بكل ما فيه من نقاط قوة وضعف وكيف لم يعش المدمن ما يتمناه من قيم في الحياة. عندما يواجه المدمن هذه الحقائق يشعر بالمزيد من الحزن، لكنه في الخطوة الخامسة عندما يشارك هذا مع شخص آخر ويشعر بالحب والقبول، فإنه يستعيد مرة أخرى نظرته الإيجابية لنفسه ويخرج من الاكتئاب.

رابعاً: عملية الفقد عملية دورية، فالصراع لا ينتهي بقبول النفس، وإنما كثيراً ما تأتي أفكار وتخيلات وتذكر للنشوة الماضية. كما تأتي محاولات العبث بالحدود التي وضعها المدمن المتعافي لنفسه. فيعبث بالانترنت، ليجرب قوة احتماله مثلاً! الخطوات السادسة والسابعة تحث المدمن أن يسلم عيوبه لله بصفة دائمة لأن هذه العيوب المجودة بشكل مستمر تجعله دائماً معرض للعودة لأسلوب الحياة الإدماني. في هذه الخطوة يتعرف المدمن على أصدقائه الإدمانيين الداخليين ويسلمهم للقوة العظمى مثلما سلم أصدقائه الخارجيين. هؤلاء الأصدقاء الداخليين هم: الإنكار والتبرير والاستياءات والتوجهات المريضة وعدم الأمانة والسيطرة والشفقة على النفس وغيرها.

من أهم فوائد الخطوات في علاج الفقد أن الخطوات ليست خطوات يتم عبورها مرة واحدة وينتهي الأمر و لكن يتم العودة إليها أكثر من مرة، وهذا يخدم الطبيعة الدورية لألم الفقد.

خامساً: كل من يختبرون فقداً كبيراً في حياتهم يصلون في نهاية عملية الفقد إلى تأسيس هوية جديدة لهم حيث أن الفقد يغير من حياتهم بشكل درامي. خلال تكوين هذه الهوية الجديدة، تعلب الخطوات الثامنة والتاسعة دوراً هاماً في إعادة العلاقات المقطوعة بالأهل والأصدقاء من خلال الاعتراف والتعويض.

سادساً: تأتي خطوات الصيانة لعدم العودة مرة أخرى إلى المراحل المبكرة من الفقد. الخطوة العاشرة، تمثل الاستمرار في القيام بالجرد الأخلاقي بصفة مستمرة والخطوة الحادية عشر تمثل بذل المجهود اليومي للاتصال الواعي بالقوة العظمى ثم الخطوة الثانية عشر، توصيل الرسالة لمدمن آخر يعاني ليستمر مجتمع التعافي. هذه الخطوات الثلاثة الأخيرة تساعد المدمن أن يضمن البرنامج في حياته اليومية العادية لبقية عمره ، لكي لا يعود النظام الإدماني يؤسس نفسه مرة أخرى.

قوة الطقوس

ممارسة طقوس روتينية متكررة بصورة منتظمة لها قدرة على الشفاء. من أمثلة هذه الطقوس: حضور الاجتماعات بانتظام و جلسات المتابعة والقراءات والتأملات و ترديد الشعارات. الاتصال وقت الأزمات.

كما ذكرنا من قبل تعتبر الطقوس الإدمانية جزء لا يتجزأ من النظام الإدماني، لذلك فإن استبدال الطقوس الإدمانية بطقوس تعافي يعتبر هدف علاجي هام.

مواجهة الواقع والتعامل مع القلق

يعتبر التعامل مع إدمان الجنس أصعب من التعامل مع أي إدمان كيميائي، لأن "مادة" الإدمان ببساطة موجودة داخل المدمن يحملها معه إلي أي مكان، ولا يحتاج إلا فقط لاستدعاء خياله ليدخل في مرحلة الانشغال بالأفكار الجنسية. لذلك فإن من أهداف البرنامج مساعدة المدمن مواجهة الواقع ومساعدته للتغلب على القلق من خلال وضع تعريف واضح مشترك للتبطيل. هذا التعريف ربما يتم تعديله وتطويره مع التقدم في البرنامج.

يتبنى برنامج مدمن الجنس المجهولين SAA طريقة لتعريف التبطيل تسمى "الدوائر الثلاثة" وفيما يلي مقتطف من نبذة "الدوائر الثلاث"وهي من مواد القراءة الهامة في ذلك البرنامج.

نحن في زمالة مدمني الجنس المجهولينSAA (Sex Addicts Anonymous لدينا تعريف اسمه "سلوكيات الدائرة الداخلية" هذه هي السلوكيات الإدمانية التي نريد أن نتوقف عنها. كل مدمن لديه مجموعة خاصة من السلوكيات القهرية التي تدمر حياته ويجب التوقف عنها. لكن هناك سلوكيات جنسية مقبولة بالنسبة له ويشعر عند ممارستها بالرضا والاستمتاع. لذلك فإن برنامجنا يعترف بكرامة وحق كل فرد في أن يختار مفهومه الخاص للصحة الجنسية وما هو السلوك الإدماني الذي يريد أن يتوقف عنه. باختصار. السلوك الذي نكتبه في الدائرة الداخلية هو السلوك الذي وجدنا أنه يدمر حياتنا ويمنعنا من إدارتها وسوف نحاول كل يوم أن نتوقف عن هذه السلوكيات كل يوم بيومه.

أما الدائرة الخارجية ففيها السلوكيات التي تساعد على التعافي وبالتالي هي سلوكيات يجب تشجعيها ومدحها وممارستها. أمثلة للممارسات التي يضعها البعض في الدائرة الخارجية: عمل الخطوات الإثني عشر، ممارسة جنسية مع شخص في علاقة التزام متبادل (زواج مثلاً)- إكرام علاقة الحب التي لديك مع شريك حياتك. ممارسة العادة السرية بدون صور أو مواد خليعة (بالخيال أوبدون خيال)، الاستمتاع بالتلامس الحاني. أخذ درس في الرقص. ممارسة رياضة، ارتداء ملابس جميلة، أخذ حمام، عمل علاقات غير جنسية مع آخرين وأخريات. خلق اهتمامات جديدة صحية. صداقات مع الجنس الآخر استعداداً للزواج. مشاركة مسيرة التعافي مع مدمني جنس متعافين آخرين. ثم تأتي الدائرة الوسطى هذه الدائرة نضع فيها السلوكيات التي نحن غير متأكدين منها ولا ندري أن كنا نضعها في الدائرة الداخلية أم الخارجية. نحن نسمي هذه السلوكيات سلوكيات الحدود boundary behaviors بعض أمثلة من هذه السلوكيات: السير بالسيارة بحثاً عن عاهرة دون نية "اصطياد" واحدة أو التسكع بحثاً عن مناظر جنسية أو فتح الرسائل الالتكرونية التي تحتوي على صور جنسية ثم غلقها بسرعة أو النظر إلى أجساد الآخرين أو الاتصال بصديق قديم لإحياء علاقة كانت بها سلوكيات جنسية مدمرة أو التصرف بطريقة فيها إغراء أو إغواء أو الدخول في مواقف وأماكن غير مناسبة للتعافي. وهكذا فمن الواضح أن التورط في سلوكيات الحدود هذه يمكن أن يجعلنا ننزلق إلى ممارسة سلوكيات الدائرة الداخلية. لذلك إذا وجدنا أنفسنا نمارس سلوكيات الحدود هذه علينا أن نحمي أنفسنا ونعيد اتصالنا بالبرنامج.

أما بالنسبة لزمالات أخرى مثل SA فهي تقدم تعريفاً أكثر بساطة وراديكالية من مجموعة SAA وهو " لاجنس مع نفسك أو مع شخص آخر غير شريك حياتك." تعتبر زمالة SAA هذا الموقف موقف كمالي متشدد، بينما تعتبره زمالة SA أكثر واقعية حيث أن هذه الزمالة تعتبر أن الإدمان الجنسي الحقيقي هو إدمان الشهوة وليس الممارسة الجنسية.

تعريف " التبطيل"

جاء في التقليد الثالث أن "الشرط الوحيد الذي يتطلب وجوده لدى الشخص الذي يريد الانضمام لعضوية المجموعة هو الرغبة أن يمتنع عن الشهوة وأن يصل إلى ضبط النفس". بناء على هذا الشرط، من الممكن للمرء أن يعتقد أن التعفف هومسألة نسبية نقوم بتحديدها لأنفسنا. ظاهرياً، تبدو هذه الفكرة جذابة وديمقراطية. لكننا لا نظن ذلك.

كيف نعتبر أنفسنا متعافين إذا كنا لا نزال نلجألما كنا نلجأ إليه في إدماننا السابق، فمعظمنا عند الانضمام للمجموعة، لم يكن لدينا أي شك حول معرفة الأمور التي يجب أن نتوقف عنها. لقد كنا نعلم.ومع ذلك, عندما نأتي إلى مجموعة "مدمني الجنس" حيث نستطيع أن نرى مقدار ضبط النفس الذي نحتاج إليه، نلاحظ أن هذه التبريرات تنشط من جديد! فيكون مستوى ضبط النفس الذي وضعناه لأنفسنا، هو في الغالب كل ما يمكننا الوصول إليه. معنى التبطيل بالنسبة لنا هو عدم ممارسة أي صورة من صور الجنس للشخص مع نفسه أو مع أي شخص آخر غير شريك الحياة. وبالنسبة لمدمن الجنس الغير متزوج، يعني التعافي جنسياً الحرية من أي نوع من أنواع ممارسة الجنس. وبالنسبة لنا جميعاً، سواء كنا متزوجين أو أفراد، فإن التعافي جنسياً يتضمن أيضاً الانتصار على الشهوة. (من كتاب مدمني الجنس المجهولين Sexaholics Anonymous)

روحانية الخطوات الاثنا عشر

برنامج الخطوات الاثنا عشر يعكس اتفاقاً عام بين العاملين بالصحة النفسية، على أهمية الروحانية والتدريبات الروحية بالنسبة للتعامل مع القلق.

· ممارسة الروتين الروحي تذكر المدمن كل يوم أنه مخلوق وأنه ليس الله وتدربه على الاعتماد على قوة عظمى خارجه عنه لكسر ميله للانحصار في نفسه باستخدام الجنس.

· وصف أحدهم أن الجنس يمكن أن يستخدم كنوع من التمرد على الحدود الموضوعة عليهم. ربما حدث ذلك في صورة استخدام الطفل للاستمناء السري كنوع من الاعتراض والتأكيد على الذاتية و التحكم. لذلك فإن الدعاء والصلاة والتأمل هو ممارسة للخضوع والاستسلام الذي يضاد رغبة المدمن القهرية في السيطرة.

· صلاة السكينة تمثل مواجهة للصراع الذي يعانيه المدمن بين السيطرة ومحاولة تغيير ما لا يستطيع تغييره، وبين الانسحاب والاستسلام واليأس في تغيير ما يمكن تغييره.

استعادة الشعور الصحي بالذنب والخزي

الفرق بين الخزي الصحّي والخزي المرضي، هو أن الأول يدفع الإنسان للشعور بالخطأ والاعتذار مع القدرة على الغفران للنفس والثقة في غفران الآخرين، ومن ثم نوال فرصة جديدة لتغيير السلوك. اما الخزي المرضي فهو عدم الثقة في غفران وقبول الآخرين وبالتالي يفقد الشعور بالذنب وظيفته مما يجعل المدمن يوقف تماماً هذه الشعور ويتصرف كما لو كان ليست لديه منظومة قيم. مع أن لديه منظومة قيم لكن الدائرة الإدمانية تعطل منظومة القيم هذه.

الذنب والخزي المرضي يؤدي إلى كراهية النفس وبالتالي يضطر المدمن للهروب من هذا الشعور من خلال العودة مرة أخرى للانشغال بالجنس والسلوك الجنسي القهري لتوقيف الإحساس بالذنب تماماً وهكذا يتأرجح المدمن من الشعور بالذنب المبالغ فيه إلى الشعور بعدم الذنب وهذا يؤدي لمزيد من الإغراق في الحلزون الإدماني النازل واليأس وعدم القدرة على دارة الحياة.

أما الخزي الصحي فلا يصل إلى كراهية النفس، فيؤدي إلى الغرض منه وهو مواجهة الأضرار دون الحاجة للإغراق مرة أخرى في الدائرة الإدمانية.

مشاركة الخبرات السيئة في الاجتماعات ومن خلال العلاقات بأفراد مجموعة ال 12 خطوة، والحصول على قبول واحترام يخرج المدمن من الذنب المبالغ فيه. أيضاً المحاسبة والمسئولية تحافظ على الذنب الصحّي الضروري لتغيير السلوك.

توقيف محاولات السيطرة على السلوك الإدماني

عندما تصبح حياة مدمن الجنس غير قابلة للإدارة، فإنه يحاول استعادة الإدارة من خلال محاولات السيطرة على السلوك (هذا ما يسمى التغيير على المستوى الأول First Order Change لكن كلما حاول بشدة أكثر، كلما فشل أكثر، وهذا يؤدي لمزيد من الخزي المرضي وتصبح الحياة أكثر فأكثر غير قابلة للإدارة.

التغيير الحقيقي يحدث على المستوى الثاني Second Order Change عندما يتوقف المدمن عن محاولات التغيير ويعترف بعجزه. برنامج الـ 12 خطوة يتعارض مع محاولات السيطرة على السلوك الإدماني و يقود المدمن دائماً إلى الاعتراف بالعجز وعدم القدرة على إدارة الحياة.

Friday, April 6, 2007

المحاضرة السادسة

الجنسية المثلية؟

ما هي الجنسية المثلية؟ ولماذا نقول الجنسية المثلية وليس الشذوذ الجنسي؟

ليس هذا لأننا لا نؤمن أن الجنسية المثلية نوع من الخروج عن التعبير الطبيعي للجنس ولكن لأن عبارة الشذوذ الجنسي قد حملت على مدار السنين الكثير من الإيحاءات المهينة والمقللة من شأن المثليين. نحن مثلاً لا نحب أن ندعو من فقد بصره "أعمى" ولكن نقول "كفيف". أيضاً لفظ شذوذ جنسي لا يقدم وصفاً واضحاً ودقيقاً للحالة فللشذوذ الجنسي أنواع عديدة ؛ مثل ممارسة الجنس مع الحيوانات والتلصص والاستعراض وغيرها.

لا يوجد تعريف شامل واحد للجنسية المثلية. ربما من الأسهل أن نقول ما ليس هو جنسية مثلية. الجنسية المثلية ليست عيباً وراثياً ولا اختلالاً هورمونياً ولا مرضاً عقلياً ولا هي نتيجة لتسلط الأرواح الشريرة. الجنسية المثلية تعني انجذاب الرجال عاطفياً وجنسياً للرجال أمثالهم والنساء للنساء. لماذا يختبر الناس هذا الانجذاب لنفس الجنس؟

الجنسية المثلية سلوك يتم تعلمه من خلال عوامل متعددة مركبة تشكل سلوك الإنسان منها ما هو يقع الإنسان تحت تأثيره بلا اختيار منه ومنها ما هو اختيار شخصي.

* كثير من الجنسيين المثليين شعروا منذ طفولتهم أنهم مختلفين وبالتالي يعتقد الكثيرون أنهم مولودون هكذا. كثيراً ما تعطي المجلات والتلفزيون الانطباع أن العلم قد اكتشف أن الجنسيين المثليين يولدون هكذا.

لكن الإحساس المبكر بالاختلاف ليس هو العامل الوحيد. البعض يعتقدون أن بعض الناس يصبحون جنسيين مثليين لأنهم اختاروا ذلك. لكن أغلبهم لا يختاروا أن يكونوا هكذا. ميلنا الجنسي ليس من الأمور التي نستطيع أن نغيرها بإرادتنا بسهولة. بالطبع ما نفعله يخضع لإرادتنا. بالطبع سلوكياتنا الجنسية تخضع لإرادتنا فنحن نستطيع أن نختار الطريقة التي نتجاوب بها مع مشاعرنا. مشاعرنا تدفعنا إلى سلوكيات معينة ولكننا نستطيع أن نسيطر على مشاعرنا. أيضاً ليس كل من يشعرون بالميل نحو نفس الجنس يحبون أن يطلق عليهم لفظ Gay أو lesbian

* عامل آخر يجب ملاحظته وهو ما حدث لهؤلاء الأشخاص في حياتهم. ربما تعرضوا لجروح نفسية ربما تؤثر على شعورهم تجاه أنفسهم. ربما تعرضوا للانتهاك الجنسي أو عاشوا في علاقات سيئة مع والديهم( من خلال عملنا مع العديد من الذين يصارعون مع مشاعر الجنسية المثلية نعلم أن الكثيرين تعرضوا لمثل هذه الأمور). بالطبع ليس كل من يتعرض لإساءات جنسية أو من كانت له علاقة سيئة بوالديه يصبح منجذباً نحو نفس الجنس. وليس كل من لديهم ميل لنفس الجنس تعرضوا للانتهاك الجنسي. بمرور الوقت تعمل كل هذه العوامل معاً: الجروح والانتهاكات التي تعرضوا لها و كم المساعدة التي حصلوا أو لم يحصلوا عليها لتجاوز هذه الجروح والإساءات والاختيارات التي اختاروا أن يفعلوها كرد فعل لهذه الجروح وكل هذا قد يؤدي في النهاية إلى انجذابهم لنفس الجنس.

على وجه العموم يوجد عدد من العوامل المختلفة التي بدرجات مختلفة من الأهمية تؤثر في حياة الناس. ربما تشتمل هذه العوامل على:

1) عوامل ولدوا بعها (استعداد وراثي لنوع من الشخصية). هذا مجرد "استعداد" وراثي وليس "تحديد" وراثي. ليس كلون العينين ولكن مثل الاستعداد للسمنة أو الاستعداد لإدمان الكحوليات.

2) هناك أيضاً التعرض لتأثيرات هورمون الأنوثة بالنسبة للطفل الذكر في بطن أمه......

3) خبرات سيئة في الطفولة مثل الإساءات الجنسية أو الرفض من الوالدين أو الأقران

4) كم ونوع التعضيد والمساندة الذي حصلوا عليه كأطفال ومراهقين للتعامل مع ما كان يحدث وقتها.

5) نوع التربية الأخلاقية التي تلقوها كأطفال ومراهقين.

6) الاختيارات التي اختارها هؤلاء الأشخاص للتعامل مع مشاعرهم وميولهم.

7) كم الوضوح أو التداخل بين دور الرجل والمرأة في الثقافة. د

لا يوجد شخصان يعيشان في أسلوب الحياة المثلي لنفس الأسباب. ربما كانت الخلفية الأسرية لأحدهم سيئة وربما عاش أحدهم تربية مثالية منضبطة من حيث الحب والحزم في البيت. صحيح أن العلاقة بالأهل يمكن أن تؤثر في الجنسية المثلية ولكننا لا نستطيع أن نعتبرهم مسئولين تماماً عن هذا الأمر. الشخص المثلي ليس ضحية للظروف تماماً فاختياره الشخصي له دور أيضاً ولكن التفاعل بين العوامل التي ليس له دور فيها والعوامل التي من اختياره معقد جداً وخاص جداً بالنسبة لك شخص. لذلك فإن الله وحده هو الذي لديه الحب الكافي والعلم الكافي لكشف أسرار ما حدث والبدء في إحداث التأثير العكسي من الجنسية المثلية نحو الشفاء.

ليس كل الجنسيين المثليين متورطين في السلوكيات الجنسية المثلية بنفس الدرجة. تختلف درجات ا لتورط من:

أولاً: من يعيش فقط في الخيالات الجنسية.

ثانياً: من يمارس سلوكيات جنسية لكن لا يعتبر الجنسية المثلية هوية خاصة به.

ثالثاً: من يعيش الهوية المثلية وأسلوب الحياة المثلي كأسلوبه المفضل للحياة، فيسمي نفسه مثلياً gay وينخرط في الثقافة المثلية والمجتمع المثلي الموجود في كل ثقافة أو دولة، ربما فوق الأرض في بعض الدول وتحت الأرض تحت دول أخرى لا يزال المثليون فيها لا يحصلون على اعتراف رسمي من الدولة والمجتمع.

رابعاً: من يعيش الجنسية المثلية كقضية سياسية واجتماعية فيدافع عن أسلوب الحياة المثلي. مثل هؤلاء قد ينظمون ويشاركون في مظاهرات و مسيرات لتأييد أسلوب الحياة المثلي، وربما يكونون عدوانيين على من يتفق معهم في الرأي.

لذلك عندما نتعامل مع المثليين، يجب أن ندرك أنهم بشر مثلنا، لهم أحاسيسهم واحتياجاتهم. ربما لا نتفق مع أسلوب حياتهم، لكن هذا لا يحرمهم من حقهم في القبول والاحترام. في واقع الأمر يعد حصولهم على الحب والقبول والاحترام من الغيريين (غير المثليين) خطوة أساسية في شفائهم من الجنسية المثلية.

الحقيقة بشأن الممارسات الجنسية المثلية

منذ أواخر الستينات وأوائل السبعينات والضغوط السياسية والاجتماعية في الغرب (الولايات المتحدة بشكل خاص) تحاول تصوير الجنسية المثلية أنها ممارسة بريئة واختيار مقبول لممارسة الحياة الجنسية. مجرد ضغوط سياسية لجماعات حقوق المثليين دون أبحاث علمية تذكر، وإن كانت هناك أبحاث فيمكن أن نسميها أبحاث "إعلامية" أكثر من كونها علمية لأن وسائل الإعلام تلتقط بعض المحاولات البحثية غير المثبتة وتصنع منها عناوين الصحف والمجلات ومواقع الانترنت. وفي موضوعات تالية سوف نشرح هذه الأبحاث لنرى كم هي "إعلامية" أكثر من كونها "علمية"، أما الآن فهاكم بعض الحقائق الإحصائية التي وردت في كتاب "التنظيم الاجتماعية للجنس: الممارسات الجنسية في الولايات المتحدة[1]

مقارنة بين المحددات الأساسية للسلوك المثلي والغيري

النسبة

الغيريين

المثليين

المؤشر

1: 35

97.2

2.8

إجمالي النسبة في المجتمع (ذكور)

1: 70

98.6

1.4

إجمالي النسبة في المجتمع (إناث)

12: 1

4

50

متوسط عدد الشركاء الجنسيين طوال العمر

7: 1

1.2

8

متوسط عدد الشركاء الجنسيين خلال السنة الآخيرة

1: 41

83%

أقل من 2%

نسبة الملتزمين بشريك واحد


9.5 %

65%

نسبة الجنس الشرجي خلال السنة الأخيرة

هذه الإحصائات تشير إلى

1) فشل العلاقات المثلية وهذا واضح من عدد الشركاء طوال العمر وهو يصل إلى 50 بالنسبة للمثليين و4 بالنسبة للغيريين وأن نسبة من يلتزمون بشريك واحد في المثليين أقل من 2% أما الغيريين فتصل إلى 83% أي أن العلاقات الغيرية أكثر استقراراً جداً. كما تشير نفس الدراسة إلى أن 90% من النساء الغيريات و 75% من الرجال الغيريين لم يمارسن/يمارسوا الجنس خارج الزواج.

2) ممارسة الجنس الشرجي (والذي يحمل أكبر خطورة فيما يتعلق بانتشار فيروس الإيدز) أوسع انتشاراً بين المثليين من الغيريين

نفس هذه الدراسة أوضحت أن المثليين يستخدمون الواقي الذكري أكثر من الغيريين فهم يستخدمونه بنسبة 60% بينما يستخدمه الغيريون بنسبة 35% إلا أن فيروس الإيدز ينتشر بين المثليين بصورة أكبر من الغيريين بسببين: الأول هو أن المثليين يمارسون الجنس مع عدد أكبر من الشركاء بينما يميل الغيريون للالتزام بعدد أقل من الشركاء والسبب الثاني هو انتشار الجنس الشرجي بين المثليين أكثر من الغيريين

فشل العلاقات المثلية

في دراسة بعنوان (الزوجان الرجال) The Male Couple[2] والتي أجراها أخصائيان نفسيان من المثليين واللذان كانا في علاقة "زوجية" وقد درسا 156 زوج من المثليين الذين ظلوا معاً لفترات تتراوح بين سنة و 37 سنة، وجدا النتائج التالية:

1) 56 ظلوا معاً لفترة أقل من 5 سنوات ، فقط 7 منهم كانوا مخلصين للشريك الآخر !

2) 100 ظلوا معاً أكثر من 5 سنوات ، لم يكن أي منهم مخلصاً!

أي أن نسبة الإخلاص لشريك واحد كانت 12% لمن مكثوا معاً أقل من 5 سنوات ثم نزلت إلى صفر % لمن مكثوا معا أكثر من 5 سنوات.

 
جذور الجنسية المثلية
هناك جذور  للانجذاب المثلي، وتكمن هذه الجذور أحياناً  في أحداث تتعلق بماضي من الانتهاك أو الاعتداء الجنسي. الاعتداء الجنسي يشمل أي اتصال أو تفاعل يتم من خلاله استخدام شخص أكبر أو أقوى أو أكبر تأثيراً، طفلاً أو مراهقاً من أجل الحصول على إثارة جنسية. 
تظهر الدراسات أن حالات الانتهاك الجنسي تشيع في طفولة المثليين البالغين. إحدى الدراسات أشارت إلى أن نحو 80% من الرجال المثليين الذين شملتهم الدراسة قالوا أنهم تعرضوا لانتهاك جنسي على يد شخص بالغ قبل وصولهم لسن العاشرة. 
وكما هو الحال مع أي من العوامل التي نبحثها، فإن الاعتداء الجنسي لا ُينتِج تلقائيا الانجذاب الجنسي. غير أنه بالنسبة للبعض قد يمثل جزءا كبيرا من سياق يساعد على تكون الانجذاب الجنسي. وعادة ما تختلف الطريقة التي يؤدي بها الاعتداء الجنسي للتأثير على تطور تلك الميول ما بين الرجال والنساء. 
 
الضرر الذي يحدثه الاعتداء الجنسي على الرجال
يمكن أن تكون المشاعر المختلطة القوية التي يشعر بها الفرد الذي تعرض لاعتداء بعد أحداث الاعتداء الجنسي جزءا مما يشكل الميول المثلية. التخبط أو التشويش  في هذه الحالة يمكن تعريفه بأنه "الشعور بشعورين متناقضين في الوقت نفسه". وتكون النتيجة إحساس غامر بالخزي والحيرة.فالأمر المحير بالنسبة للولد الصغير هو أنه برغم الموقف البشع الذي تعرض له، فقد شعر ببعض اللذة، وهو ما يجعله
يشعر بإحساس قوي بالعار. لقد حدث اتصال  وتلامس جسدي، من طبيعته إثارة شعور باللذة العاطفية والجنسية،ولكن هذا الاتصال ذاته كان في نفس الوقت فظيعا!
من الصعب أن يقبل الصبي الصغير أو المراهق أنه قد استمتع بقدر من اللذة الجنسية مع رجل أو ولد أكبر. وتزيد حالة التخبط والشعور بالعار حينما يكون الاعتداء الجنسي هو السياق الوحيد الذي بدا فيه لهذا الصبي أن عطشه للحب الذكوري والاتصال مع رجل قد ارتوى. ويترك هذا انطباعا خادعا بأن الجنس والحب أمران متلازمان دائما. 
إن الشعور بالعار وحالة الالتباس هذه يؤديان إلى إثارة أفكار ملحة ومتعبة مثل: "يا ترى ده معناه إن أنا إيه؟!" "يمكن أنا شاذ"، وبناء على ذلك يمكن أن يؤدي الضرر الذي تحدثه تلك المشاعر المختلطة إلى جعل الأولاد الصغار المشوشين يعتقدون أنهم شيء ليسوا كذلك. 

العلاقة من الوالد من نفس الجنس

تعد العلاقة مع الوالد من نفس الجنس. الأب في حالة الذكر والأم في حالة الأنثى، أهم العلاقات التي تكون الهوية الجنسية وبالتالي الانجذاب الجنسي. فإذا كان هناك مشكلات في هذه العلاقة من خلال غياب هذا الوالد أو عنفه وقسوته أو سوء العلاقة بين الوالدين، فإن الطفل لا يحصل على احتياجاته النفسية من هذا ا لوالد.

الولد يحتاج لحب أبوي ذكوري من أبيه والبنت من أمها ، ولكن عندما لا يكون ذلك الحب موجوداً بسبب البعد المكاني أو النفسي، فإن ا لطفل "يفصل نفسه نفسياً" عن الوالد من نفس الجنس لكي يحمي نفسه من الإحباط. هذا الانفصال النفسي يمنع من تكون الهوية الجنسية التي تنشأ بالتوحد بالوالد من نفس الجنس (الأب بالنسبة للولد والأم بالنسبة للبنت) كما أن هذا الشوق ا لقديم للحب الذكري بالنسبة للولد والحب الأنثوي بالنسبة للبنت يظل قابعًا بالداخل منتظراً الإشباع، وعندما يحدث هذا الإشباع في وقت متأخر أو بطريقة جنسية، يحدث ربط بين هذا الاحتياج العاطفي واللذة الجنسية، أي يحدث نوع من "جنسنة" هذا الاحتياج للأبوة والأمومة.

أيضاً عندما لا يتوحد ا لولد مع أبيه وتكون أمه مسيطرة و حامية وخانقة المحبة فإنها تمنعه من الدخول في عالم الرجال وبالتالي يظل هذا العالم مكتنفاً بالغموض والسرية وفي النفس الوقت يظل الطفل مشتاق لهذا العالم. وعندما يأتي سن المراهقة فإن هذا الشوق وذلك الغموض يؤدي إلى نمو الانجذاب الجنسي تجاه الذكور والأمر نفسه بالنسبة للإناث عندما ينجذبن للإناث أيضاً.

بعض الآباء يشعرون أكثر من غيرهم بالأسف على الطرق التي أخفقوا فيها في تربية أولادهم أو أضروا بأولادهم من خلالها، ومع ذلك من الخطأ تحميل اللوم كله للوالدين، فالأمر الأهم يتعلق بالطريقة التي يدرك بها الطفل تلك المعاملة ويتجاوب معها. بعض الأطفال يشعرون بالجرح من والديهم فيتباعدون عنهم حتى يحموا أنفسهم. وبهذه الطريقة يمنعون أنفسهم، دون أن يدركوا، من تلقي أحجار البناء الأولى في هويتهم الجنسية (كرجال أو نساء).

عبرت خبيرة في علم النفس تدعى إليزابيث موبرلي Elizabeth Moberly عن العلاقة بين خبرات الطفولة والجنسية المثلية بالقول: "إن الجنسية المثلية هي عجز في قدرة الطفل على التواصل مع الوالد من نفس الجنس وينتقل هذا العجز (فيما بعد) إلى التعامل مع البالغين من نفس الجنس عموما. ويمكن القول إن المشكلة ليست أن الشخص المثلي البالغ يريد حبا من نفس الجنس، بل أن حاجات الطفولة لديه المتعلقة بتلقي الحب من الوالد من نفس الجنس لم تُسدد، ولذلك يحاول هذا الشخص إشباع تلك الحاجات الآن عن طريق علاقات مع بالغين آخرين من نفس الجنس تشمل أنشطة جنسية كطريقة خاطئة لتلقي الحب.

العلاقة مع الوالد من الجنس الآخر

ليست العلاقة مع الوالد من الجنس الآخر بنفس القدر من الأهمية في كل حالات تطور الميول المثلية ، ولكن في الكثير من الحالات تزيد هذه العلاقة من صعوبة المشكلة التي خُلقت أساسا بسبب البعد في العلاقة مع الوالد من نفس الجنس، أو بسبب التعرض لتهجم أو اعتداء من جانبه.

مثلا يمكن أن يؤدي الوالد من الجنس الآخر إلى زيادة المسافة والعداوة بين الطفل والوالد من نفس الجنس عن طريق التحدث إلى الطفل عن مشكلات زوجية عديدة، وهو الأمر غير السليم. مثلا أن تكون الأم شديدة الحماية ولا تسمح لابنها بأن يجاهر أبدا بالتعبير عن نفسه كذكر عن طريق اتخاذ أي مبادرات قوية، أو ربما تُسخِّف باستمرار من كفاءته وتجعله يشعر بأنه في غير المكان الصحيح كذكر أو بعدم الأمان في رجولته. أو أن يكون هناك أب كان يريد بشدة أن يرزق بابن حتى أنه يعامل ابنته كأنها ولد، متجاهلا أنوثتها بالكامل.

وحينما يكون هناك طفل يشعر بالفعل أن الصلة مقطوعة بينه وبين الوالد من نفس الجنس، وفي نفس الوقت يجد أن الوالد من الجنس الآخر لا يشجع تعبيره عن ذكورته (أو أنوثتها) بل ينتقده ويستغله أو يتجاهل تلك الذكورة فيه، فإن هذا يخصب التربة التي يمكن أن تنمو فيها الميول المثلية.

التفاعلات مع الأقران

ما بين سن الرابعة والخامسة ينتقل الأطفال من اللعب إلى جانب الأطفال الآخرين، إلى اللعب مع الأطفال الآخرين. ويبدأ الأطفال التعلم كيف يكون لهم أصدقاء. هذه الصداقات المبكرة تضيف إلى الهوية الجنسية للطفل، فالأطفال يحتاجون لحب وقبول الأطفال الآخرين من أقرانهم في نفس السن، خاصة من الأطفال من نفس الجنس، والصداقات من نفس الجنس تلعب دورا هاما في عملية بناء الهوية الجنسية Gender Identity.

ولكن الأطفال المتخبطين في علاقاتهم مع الوالد من نفس الجنس قد يختبرون أيضا درجة مماثلة من البعد والرفض في العلاقة مع أقرانهم من نفس الجنس، بما يضيف إلى حالة التشويش وعدم الأمان التي يشعرون بها. وفي بعض الحالات يتوقع الأطفال أن يلقوا نفس المعاملة من أقرانهم كتلك التي يلقونها من الوالد من نفس الجنس.

ربما يشعر ولد صغير أنه غير متوافق تماما مع أقرانه الذكور، مثلما يشعر تماما تجاه والده. وربما تشعر طفلة صغيرة أنها لا تنتمي إلى البنات من نفس عمرها مثلما تشعر تماما تجاه أمها. غير أن الرغبة في الانتماء والقبول تظل صارخة تطلب الإشباع، وإذا لم يندمج الأطفال أو المراهقون مع أقرانهم من نفس الجنس فربما ينجذبون للوقوع في علاقات غير صحية تبدو وكأنها ستسدد الاحتياج للقبول.

التغيير

على ماذا ينطوي التغيير؟

من الأهمية البالغة أن يكون لدينا توقعات واقعية عن الرحلة التي يتم اجتيازها للخروج من دائرة الجنسية المثلية، إذ أحيانا ما يعتقد البعض أنهم إذا صلوا بالقدر الكافي أو تمنوا غاية التمني، فإن جنسيتهم المثلية ستولي بلا رجعة. بالطبع هذا ليس توقعا واقعيا، فالتغير على صعيد التوجه الجنسي يحدث نتيجة عملية عادة ما تنطوي على مجهود شخصي شاق.

تخيل مثلا أنك تريد أن تكون لديك حديقة خضراوات. قد تصلي لسنوات أن يجعل الله الخضراوات تنمو في حديقتك، وحينما لا يحدث شيء، ربما تقرر أن تغضب من الله لأنه لم يستمع لصلواتك. غير أن الحقيقة هي أنه في الوقت الذي يجعل الله الخضراوات تنمو، فإن علينا أن نمهد الأرض، ونغرس البذور، ونداوم على سقي النبات وقلع الأعشاب الضارة، بل ونعمل ما هو أكثر من ذلك. بهذا تكون لدينا أفضل فرصة في الحصول على خضراوات وقت الحصاد. بالمثل فإن الأفراد الذين يريدون أن يختبروا تغييرا في ميولهم وممارساتهم الجنسية يتعين أن يبذلوا الكثير من الجهد في إطار عملية مستمرة. حقا يقوم الله بعمله، ويتمم بروحه أمورا لا يمكننا نحن أن نعملها، ولكن علينا أن نمهد السبيل و نتيح الفرصة في حياتنا ونتعاون مع ما يرغب الله في فعله فينا.

يتوقف الوقت الذي تستغرقه عملية التغير من الجنسية المثلية إلى الجنسية الغيرية على عدة عوامل، منها:

1. الجذور المتعلقة بالأمر. كلما كانت الجذور المتصلة بانجذاب الشخص إلى آخر من نفس جنسه معقدة وصعبة، كلما قد تستغرق عملية التغيير وقتا أطول. على سبيل المثال، ربما تستغرق تلك العملية وقتا أطول بالنسبة لشخص تعرض لانتهاك جنسي شديد في الطفولة عما تستغرقه بالنسبة لشخص تعرض لانتهاك جنسي بسيط.

2. قدر الدعم المتوافر لدى الفرد. كلما استعان الشخص بوسائل مساعدة كلما كان بإمكانه توقع إحراز تقدما أفضل. على سبيل المثال، امرأة تحضر مجموعة الدعم فقط من الأرجح أنها ستحرز تقدما أبطأ من أخرى تستعين إلى جانب مجموعة الدعم بمشورة فردية، وشركة في الكنيسة، ولديها صديقات وأصدقاء يمكنها أن تتشارك معهم بما يحدث في حياتها.

3. مدى قدرة واستعداد الشخص على مواجهة أمور شخصية صعبة. حيث أن عملية التغيير تنطوي على مواجهة أمور شخصية صعبة، مثل مشكلات وجذور عميقة لدى الفرد، وكذلك مواجهة الألم المتعلق بتلك الأمور، فإن قدرة الشخص ومدى استعداده على مواجهة تلك الأمور سيؤثر في معدل التقدم. يجدر الإشارة فيما يتعلق بمدى الاستعداد على مدى صدق رغبة الشخص فعلا في التغيير.

ليس من المستغرب أن تستغرق عملية التغيير خمس أو عشر سنوات. وليس في هذا مدعاة لليأس،

إذ يمكن أيضا أن تقل وطأة المشاعر المثلية بشكل كبير في وقت أقرب من ذلك كثيرا. إذا كان الله جزءا من عملية التغيير، فإنه سيسير إلى جانبك، ويحميك، ويرشد طريقك، ويضيء بنوره في ظلمتك. تذكر أن غاية الهدف في الحياة ليست الوصول إلى الجنسية الغيرية كنقيض للجنسية المثلية، بل اتباع الله وتسلميه الحياة بالكامل.

هل هناك ضمان للنجاح؟

مثلما هو الأمر مع أي أمور شخصية عميقة ربما يريد المرء تغييرها، فإنه ليست هناك نتائج مضمونة. ليس بإمكان أي شخص أن يعدك أنه في سنين هذه عددها ستختبر تغييرا كاملا للتوجه الجنسي. الكثيرون يختبرون فعلا تغييرا كاملا للتوجه الجنسي، بمعنى أنه بينما كانوا قبلا ينجذبون إلى نفس الجنس فحسب، أصبحوا الآن ينجذبون إلى الجنس المغاير فحسب. آخرون يختبرون تقدما ملحوظا نحو الهدف، فربما أصبحوا الآن ينجذبون بالكامل إلى الجنس المغاير وأصبحوا على استعداد للزواج، ولم يعد لديهم سوى أقل القليل من الانجذاب إلى الجنس المثلي. وبالنسبة لآخرين، ربما يحدث تغيير كبير في انجذابهم نحو الجنس المغاير دون أي تغير في انجذابهم نحو نفس الجنس. وآخرون ربما يصبحون قادرين على اختيار اختيارات صحية فيما يتعلق بسلوكهم وإن وجدوا أن انجذابهم ورغباتهم ظلت كما هي. حينما يتعامل شخصان مع نفس المسألة، من الطبيعي توقع نتائج مختلفة، وبالتالي فإن التغيير يحدث حقا ولكن لا يمكننا ضمان المحصلة النهائية أو الوتيرة التي يحدث بها التغيير.

الأساس الأفضل للبدء في رحلة التغيير

1. الحياة أكبر من مجرد التوجه الجنسي. لا تدع رغبتك في ترك الجنسية المثلية تصير بؤرة التركيز الأساسية لحياتك. لا تدع التغيير يصبح هاجسا متسلطا عليك، إذ أن هذا أيضا أمر غير صحي.

2. الله يحبك ويقبلك كما أنت اليوم. إن الكيفية التي تفكر بها وتشعر بها وتتصرف بها ربما بالتأكيد ستؤثر في كيفية إدراكك واختبارك لحبه، غير أن محبته لك غير متوقفة على ما تفكر أو تشعر به أو ما تفعله. ليس عليك أن تتغير أولا، أو أن تصير كاملا، أو أن "تنصلح"، حتى يحبك الله.

أحيانا نجد أننا نميل إلى الاتجاه نحو تطرف أو آخر، والتطرف الأول هو القول إن الله يحب كل

البشر ما عداي أي أنني لست صالحا بما يكفي. هذه ببساطة كذبة. ليس من شخص "صالحا بما

يكفي" حتى يحبه الله، ولكن لأن الله خلقنا، فإنه يحبنا كلنا. الله يحبنا في وسط انكسارنا وخطيتنا.

أما التطرف الآخر فهو القول إن الله يحبني كما أنا تماما ولذلك ليس علي أن أكون منفتحا للتغيير

الذي يريد الله أن يحققه في حياتي. وهذا أمر غير صحيح أيضا. فالله يحبنا كما نحن، ولكنه يريد أن

يأتي بنا إلى الشفاء وإلى فهم أعمق لمعنى أن نكون أبناء له.

عندما نعرف أن الله يحبنا ويقبلنا كما نحن، فهذا يسهل علينا حب وقبول أنفسنا كما نحن عليه. نحتاج أن نقبل هذا الجزء منا الذي يختبر الانجذاب إلى نفس الجنس، وأن نعمل نحو تلبية الحاجات المشروعة التي لم نحصل عليها ، ونتعامل مع الجروح التي ساهمت في حدوث مثل هذا الانجذاب.

3. لست مضطرا أن يكون تعريفك لنفسك مبني على توجهك الجنسي.

الهوية الرئيسية للإنسان هي كونه ابنا محبوبا أو ابنة محبوبة لله. هذه هي هويتك الحقيقية، سواء تدرك ذلك الآن أو لا تدركه. ليس عليك أن تستخدم مسمى ما تلصقه بنفسك ، وبدلا من القول "أنا مثلي" أو "عندي شذوذ جنسي" ، يمكن أن تصف ما تشعر به أو ما تختبره بعبارة بسيطة مثل "أنا باتعامل مع مشاعر مثلية"، أو "أنا بانجذب لرجالة"، أو "أنا بأشعر بانجذاب لنفس الجنس".

من المهم، خاصة في الأوقات التي تكون فيها عملية التغيير محبطة، وستكون كذلك في بعض الأوقات، أن نتذكر أننا ننتمي إلى الله وليس من شيء يمكن أن يفصلنا عنه. هذه الحقيقة يمكن أن تساعدنا على الحفاظ على الإدراك السليم وتبقينا مركزين على جود الله ومحبته لنا، وأمانته لنا في كافة الظروف.

بالنسبة لكثيرين يحدث التغيير بينما نركز بفاعلية على أمرين:

1. نحتاج أن نتعامل مع جذور الانجذاب الجنسي. وهي الأحداث السلبية والتي ألحقت ضررا وكذلك ديناميكيات الطفولة، مثل التعرض لاعتداء جنسي، أو الرفض، أو الافتقار إلى العلاقة مع والدينا، أو تعرضنا للتشهير أو الخزي، إلخ. وبينما ليس بإمكاننا أن نغير ما وقع بالفعل، فإنه بإمكاننا أن نغير الطريقة التي تأثر بها تلك الأمور علينا اليوم والكيفية التي ندرك بها ما حدث.

2. وبينما يتم التعامل مع الجذور، نحتاج أيضا أن نتوقف عن الأنماط غير الصحيحة للحياة والفكر ونتعلم أنماطا جديدة بديلة.

عملية التغيير

1. يمكن القول إن عملية التغيير مختلفة ومتماثلة في نفس الوقت بين شخص وآخر. فلكل شخص شخصيته الفريدة وكذلك تاريخه الشخصي ومنظومة الدعم لديه (الأشخاص والأشياء التي تدعمه وتسانده) وغيرها من الأمور التي تختلف عن أي شخص آخر. لكن في الوقت نفسه هناك الكثير من الخيوط المشتركة التي تسري في عملية التغيير لدى أغلب الأشخاص. فالاعتداء الجنسي في الطفولة والقضايا المتعلقة بالعلاقة مع الأب والأم من أكثر الجذور شيوعا التي يلزم أن يتعامل معها الكثير من الرجال والنساء في عملية التغيير الخاصة بهم. كما أن الشعور بأن الشخص بشكل ما "مختلف" والاعتراف وقبول ما أطلقه علبنا الأقران من تسميات أو أوصاف تتعلق باختلافنا قصة شائعة أيضا.

2.التغير يحدث على الأصعدة الثلاثة للسلوك، والخيالات الجنسية أو العاطفية، والانجذاب. حيث أن التغير عملية مستمرة، فمن المهم إدراك أن التغير على أحد الأصعدة قد يحدث قبل التغير على صعيد آخر. فبينما يمكننا أن نختار ما نفعله وما نفكر فيه، فإننا أقل تحكما في مشاعرنا وما ننجذب إليه. لا تحبط حينما يتغير جانب ولا يتغير جانب آخر هذا أمر طبيعي.

3.كثيرا ما تسوء الأمور قبل أن تبدأ في التحسن. فبينما نبدأ في التعامل مع القضايا الصعبة من الماضي، عادة ما نواجه الكثير من الألم. قد تبدو الأمور أسوأ ببساطة لأننا بدأنا نواجه قضايا ماضية تجاهلناها أو أنكرناها من قبل.

الله أمين أن يرشدنا إلى الأشخاص المناسبين، وإلى الأصدقاء والموارد المناسبة وغير ذلك من الأمور التي نحتاجها خلال هذه الرحلة. و قبل كل شيء، هو نفسه يسير معنا!


[1] The Social Organization of Sexuality: Sexual Practices in the United States (Sex in America) Edward O. Laumann (N.Y. Warner books) 1994

[2] D.P. McWhriter and A.M. Mattisson, The Male Couple- How Relationships Develop, (N.J.: Prentice Hall) 1984