Sunday, April 22, 2007

التعافي واللاهوت


التعافي و اللاهوت

بقلم: د. ديل رايان مدير هيئة التعافي المسيحي الدولية

لم تبدأ حركة التعافي من خلال لاهوتيين وإنما كانت بداية حركة التعافي علي يد اثنين من مدمني الخمر في ولاية أوهايو. أظن أن هذه بداية موفقة من قِبَل الله لأنه إن كانت كل مشكلاتنا نابعة من لاهوت عتيق، فبالطبع لن يكفي لاهوتي ضليع ليحل مثل هذه المشكلات. المشكلة علي ما اظن بالنسبة الي معظمنا لا تكمن فقط في أذهاننا وإنما في الطرق التي نحيا بها. نجد هذه الفكرة واضحة تماما في تقاليد برنامج الخطوات لاثني عشر. فهذه التقاليد تقدم كإثني عشر اقتراحا مقدمين للعمل بهم وليس كمجرد أفكار، فليس كل ما نحتاج إليه هو تصحيح الأفكار فقط حتي نتغير. علي سبيل المثال في اجتماعات مدمني الخمر المجهولين نجد هذا المبدأ الذي يؤكد :" لا تستطيع ان تفكر في ما هي الحياة الصحيحة و لكن يجب أن تحيا حياة صحيحة لتفكر بشكل صحيح."

هذا التأكيد علي أهمية التغيير السلوكي لا يشير إلى أن التعافي يهدف فقط إلى تغيير السلوك، ولكن التعافي عملية متكاملة من تغيير السلوك والفكر معاً. على سبيل المثال، يوجد شخصان يرغبان في التوقف عن شرب الخمر إلا أن هناك فارقاً كبيراً بين شخص فقط متوقف عن الشراب، و شخص آخر يسير مسيرة التعافي من إدمان الخمر. الشخص الأول فقط قد توقف عن شرب المزيد من الخمر. فإن كان الخمر هو المشكلة في حد ذاته فان التوقف عنه قد حلها. لكن الخمر في حد ذاته ليس هو المشكلة و لكن ما يكمن وراءه من أمورا أكثر تعقيدا و عمقا تحتاج إلي تغيير جذري. إننا نجد أن عيوب وضعفات الشخصية، هي التي تحتاج كل الاهتمام.

إن مدمن الخمر المتعافي هو شخص مدمن خمر لكنه يمر بكل انواع التغييرات سواء في المشاعر او الروح او العلاقات إضافة إلي تغيرات في السلوك أيضا. تغيير السلوك مهم لكنه يحتاج إلي عدة تغيرات أخري بجانبه لتسانده لكي يصبح ذو معن، والتتعافي المتزن يحتاج لوضع فكر جديد ملئ بالنعمة و الحق بدلا من فكر عتيق مريض لا فائدة منه.

اللاهو ينبغي أن يكون جزءاً هاماً من عملية التعافي المسيحي فاللاهوت المريض قد يعترض طريق تعافينا ليساند إنكارنا و يضاعف مقاومتنا للتغيير و يقوي شعورنا بالخزي المستمر. علي سبيل المثال إن كان هناك من يعتقد و هو يسير مسيرة التعافي بأنه سيحصل في وقت ما علي شفاء معجزي لحظي و أن هذا هو الدليل الواضح علي حضور الله و محبته، فانه بالتالي سينتظر إلي الأبد و سيسير رحلة تعافي بطيئة لن تقوده إلا لمزيد من اليأس. ولكنه إذا طور طريقة تفكيره وأدرك حقيقة طر ق الله التي يعمل بها في العالم فحينئذ سيسير مسيرة التعافي.

عادة يؤمن الاعتماديون إن السعادة الحقيقية لا تأتي إلا إذا وضعنا المسيح في البداية و الآخرون في المرتبة الثانية و النفس في المرتبة الثالثة. لذلك يحتاج الاعتمادي لكي يتعافى، أن يواجه اعتقاداته اللاهوتية التي تقول له: " كن كاملا" أو "كن مثاليا" مثل الله. من أصعب الأمور بالنسبة لهؤلاء، هو استقبال نعمة الله التي يشتاق لان يمنحها لنا.

إن وصية "كونوا كاملين" لا يمكن أبداً أن نفهمهما كما لو كان الله يطالبنا بالكمال لكي يحبنا أو يقبلنا، فهذا يتعارض مع تماماً مع بداية الموعظة على الجبل:" طوبى للمساكين بالروح لأن لهم ملكوت السموات." الله يعد بالملكوت للفقراء روحياً وليس للكاملين. ولكن وصية "كونوا كاملين" هي دعوة للتحرك نحو الكمال. أي التغيير. هذا بعد التأكد التام من القبول كما نحن.

لكن إذا كنا قد تربينا في أسرة تطالب أفرادها بالكمال ولا تغفر ولا تعطي فرصة للخطأ والصواب والتعبير عن المشاعر، فإننا نفسر وصية "كونوا كاملين" بطريقة غير السياق الكتابي التي جاءت فيه ونعتبر أن المسيح يقول، كما كان آبائنا وأمهاتنا يقولون: " كونوا كاملين، لكي نحبكم!"

إن رحلة التعافي رحلة صعبة و معقدة بالنسبة لنا جميعا. فهي تحتاج لعدة تغييرات . بعض هذه التغييرات ستجعلنا نعيد التفكير في معتقداتنا اللاهوتية ونظل نصارع فيها كجزء من تعافينا المسيحي.

النظرية و التطبيق

دعوني أوضح هنا أهمية فهم الفرق بين اللاهوت النظري و بين اللاهوت التطبيقي الذي نعيشه في حياتنا العادية كل يوم. قد نري هذا الفرق ببساطة في شعورنا تجاه الله. نجد أن اللاهوت النظري يتضمن تأكيدات بان " الله محبة" أو أنه " طويل الروح "و نصدق هذه الحقائق وإذا تعرضنا لأي امتحان في أي وقت عن "شخصية الله" فسوف نجاوب الإجابات الصحيحة دائماً. التعليم النظري مهم ولكنه ليس كل شيء.

نحن جميعا نعلم كم هو سهل علينا أن نؤمن بان الله محبة و لكن هل يمكن أن نأخذ هذه الدلالة العملية لنحيا هذه المحبة في حياتنا اليومية؟ إن الله قد يبدو لنا نظريا محباً أما عملياً، فقد تتكاثر مخاوفنا من نحو الله و تتسابق مع معتقداتنا الراسخة عنه. قد نؤمن أنه محبة ويحب الجميع، لكن نجد صعوبة أن نصدق أنه يحبنا نحن.

إن نوع اللاهوت الذي يعتبر مهما في عملية التعافي هو اللاهوت الذي يتعامل مع صراعاتنا الشخصية الحقيقية. إن الأفكار المجردة و العامة و النظرية لا تساعد أبدا شخصا يصارع في أصعب مشكلات الحياة . لذا نحن نحتاج لان نركز نظرنا علي اله نحيا معه يومياً– إله نستيقظ معه في الصباح , يشكل تفكيرنا و مشاعرنا من نحو أنفسنا. هذا الإله قد يكون مختلفا تماما عن إله النظريات اللاهوتية.

قد يكون إله النظرية اللاهوتية إلها محبا لا يحتفظ بسجلات للخطية، و لكن إله صراعاتنا و مشاكلنا هو إله مستغل و متقلب المزاج، ويبدو أنه لا يعتمد عليه. فإن كنا نؤمن بعقولنا أن الله محبة ونتصرف كما لو كان الله ناقد ومعاقب باستمرار حتى إذا ا قترفنا خطأ صغير، فإن هناك لاهوتاً آخر في قلوبنا بعكس لاهوت عقولنا. إن كانت النظرية اللاهوتية تقول أن الله قريب من ا لمنكسري القلب، بينما نحن نتصرف كما لو كان الله بعيداً لا يأبه بنا، فإن هناك لاهوتاً آخر في قلوبنا عكس لاهوت عقولنا.

لا اعني هنا أن اللاهوت النظري ليس له أي أهمية و لكن معظم المسيحيين في مسيرة التعافي يجدون أن اللاهوت النظري لا يساعدهم في مسيرة تعافيهم. في برنامج الخطوات الاثنا عشر نبدأ بجملة مثل: " يوجد اله و لكنه ليس أنت". إن عدت الي كتب اللاهوت المعاصر ستجد حتما هذه الحقيقة من بديهيات الإيمان الذي يستحق أن ينال كل انتباهنا. و لكن للأسف هذا ليس بديهياً لمن يسيرون مسيرة التعافي.

لكنا نؤمن أننا لسنا الله، ولكننا نحاول السيطرة على الحياة والآخرين كما لو كنا نحن الله، بالرغم من أن الله نفسه لا يسيطر وإنما يعطي الحرية. لذلك نحن في مسيرة التعافي لا نحتاج للاهوت نظري وإنما نحن نحتاج إلى تطبيقات عملية تجعلنا نتوقف بالفعل عن لعب دور الله في حياتنا. على سبيل المثال:

- نقبل أنفسنا كما نحن

- نقبل الآخرين كما هم ولا نضغط عليهم لكي يختاروا ما نريدهم أن يختاروه

- نقبل الحياة كما هي دون استياء أو امتعاض.

- نحاول أن نغير ما نستطيع أن نغيره ونقبل ما لا نستطيع أن نغيره، لكي يغيره الله في وقت.

- لا نحاول أن نفعل كل شيء في نفس الوقت ونقبل محدوديتنا

إذا ما هو نوع اللاهوت المناسب لمن يسيرون مسيرة التعافي . أظن أنها قائمة طويلة و لكني هنا سأتحدث عن ثلاث نقاط فقط و هي : النعمة و قيمة النفس و عملية التصليح او التحول السريع. النقطة الأولي و الأهم لمن يسير مسيرة التعافي هي مضاعفة الحديث عن لاهوت محوره النعمة.

النعمة و الإنجاز

الدور الوحيد الذي يمكن للأطفال القيام به في أسر مضطربة هو دور أساسه الإنجاز، فهناك الطفل البطل مصدر فخر الأسرة وهناك مهدئ العاصفة الذي يقوم بحل كل المشكلات، وهناك الطفل المنسي الذي يجيد فن ا لاختباء وألا يشكل مشكلة مطلقاً. و هكذا تدور الدائرة. نتيجة لهذه الخبرات السابقة الكامنة باعماقنا، نجد أننا ننجذب الي لاهوت يرتكز علي الإنجاز دون غيره، وحتى إن كان لاهوتنا النظري مبني على النعمة، فلاهوتنا العملي الاختباري الذي يحدد أفكارنا ومشاعرنا وسلوكياتنا، هو سلوك مبني أساساً على الإنجاز.

فعلي سبيل المثال نجد كنائس تتحدث دائما عن النعمة و لكن ينتهي بها الأمر في التركيز علي فعل الصواب و أخذ الاختيار الصائب دائما ثم العمل علي إخراج أفضل شهادة عن انفسنا و عن الله لنكون في أفضل مظهر و نتميز دائماً بالطاعة العمياء. قد يكون هناك الكثير من اللاهوت الذي يتحدث عن النعمة و لكن عندما نأتي الي تطبيقه علي حياتنا اليومية يبدو هذا مستحيلا. نتيجة لهذا تنتهي علاقتنا بالله الي شعور مستمر بالرغبة في إنجاز أفضل شئ له وأنني يجب أن أكون دائماً فرحاً ودائماً أشعر بمشاعر إيجابية ويكون دائماً توجهي إيجابياً في الحياة وأتصرف التصرفات السليمة لكي أكون مقبولاً عنده. أما عندما أخطئ فإني أتشكك كثيراً في استمرار محبته لي.

هذا بالرغم من أن يسوع لم يشعر بالمشاعر الإيجابية دائماً وقال أن نفسه حزينة حتى الموت وبولس فقد رجاءه في مرات كثيرة حتى أنه قال أنه امتلاً بالمخاوف و يأس من الحياة نفسها، وفي مرات راح يفتخر بنفسه، ثم أدرك أنه قد صار غبياً وهو يفتخر. كل هذا ولم يشك لحظة في محبة الله له. أو ربما شك!

إن السماء لا يتم حجزها لأناس لديهم كل الإجابات الصحيحة لكل الأسئلة. تذكر مواجهة المسيح مع الفريسيين؟ كانوا في عصره يعرفون كل الإجابات الصحيحة لكل انواع الأسئلة. لم يأتي المسيح ليشجع هذا النوع من الروحانية. إذا قام هؤلاء بسؤالك، اهرب منهم و جرب مكان آخر و لا تهتم بأن تكون "صح" دائماً لكي تكون مقبولاً، ستعرف حينئذ بأنك تقترب من أبواب السماء الحقيقية عندما تري أبوك السماوي هو الذي يركض إليك قبل أن تصل لهذه الأبواب. انه يركض نحوك ليحتضنك, أنت لا تحتاج لان تقوم بأي إنجاز من اجله او حتي بان تلقي خطابا أمامه. أنت محبوب كما انت دون أن تفعل شيئا. حينئذ تعرف بانك قد وصلت الي البيت و هذه هي الطريقة التي بها تتـأكد بأنك وصلت الي أبواب السماء الحقيقية.

إن ما نفعله في التعافي هو كل ما يجعلنا أناس أكثر قدرة علي اختبار نعمة الله و محبته مما يأتي لنا بالشفاء النفسي و الروحي تدريجيا. هذا يساعدنا علي أن نقول لا لكل الأنماط القديمة للقبول المبني على الإنجاز، لننطلق الي نعمة الله الغنية التي لا يصدقها عقل.

على سبيل المثال:

- نقول الحقيقة عن كل صراعاتنا وأخطائنا.

- نطلب المساعدة عندما نحتاج إليها ولا نعيش وهم أننا قادرون على مساعدة أنفسنا بأنفسنا.

- نغفر لأنفسنا عندما نخطئ ونقوم ونحاول من جديد.

- نعترف بأخطائنا في حق الآخرين ونرد المسلوب ونقبل غفرانهم لنا ببساطة.

إن النعمة ليست فكرة لاهوتية بسيطة او هامش في نهاية الكتاب المقدس و لكنها الفكرة الأساسية التي يرتكز عليها الكتاب المقدس. اللاهوت المبني علي الإنجاز والخزي في حالة عدم الإنجاز هو لاهوت لا يمت بصلة للكتاب المقدس.

لماذا إذاً عندما نثور علي آلهة الخزي التي في حياتنا، نجد أنفسنا نعود مرة أخري الي هذا اللاهوت؟

الإجابة هو أن النعمة أمر جديد عينا لم نعتده، لذلك فنحن نقاوم النعمة و نفضل الخزي بطرق أخري كثيرة. قد يكون الخزي أسوأ شئ في الحياة و لكن هذا هو ما اعتدنا عليه و نعرفه جيدا. لقد صار الناس يذهبون الي الكنيسة للحصول علي الخزي أكثر من النعمة؟ لماذا؟ أنا لا اعرف إجابة عن هذا السؤال لكن ما اعرفه هو أهمية أن نعود لنضع النعمة في مكانها الصحيح لتصير هي المركز. ليس لان هذا هو ما يحتاجه الناس في التعافي و لكن لأنها الأخبار السارة. بدون النعمة تفقد الكنيسة حقيقتها تماما.

هناك جزء آخر من التعافي و هو صراعنا الدائم ألا نُحمل أنفسنا أكثر من طاقتها," لا ترتبكوا بنير عبودية". ( غل5: 1). إن عبودية الخزي هي الجذر الأساسي للروحانية المبنية علي الإنجاز وهي عبودية قاتلة للنفس . التعافي هو صراع ندخل فيه لندع النعمة هي التي تملك علي قلوبنا و حياتنا كل يوم. ليعطنا الله اليوم النعمة التي نحتاجها حتي نسلم أثقالنا و أحمالنا التي ترتبط بالإنجاز الروحي و نستطيع أن نستقبل النعمة و السكينة و سلام الله الذي يتوق أن يعطينا إياه.

التصليح (وصفات سحرية للتغيير اللحظي)

هناك تأكيد لاهوتي آخر يعتبر من الامور المهمة جدا لمن يسيرون مسيرة التعافي و هو أن التغيير عملية تدريجية. لتعافي يأخذ الكثير من الوقت. و لكننا بالطبع لا نحب أخذ وقت طويل فنحن أصبحنا نفضل السرعة في كل شئ. أتذكر انه في أول مسيرة تعافيَ كنت أقول لله أني لا آبه بأي الم قد أتعرض له، طالما أن العملية ستكون سريعة جدا. هذا هو ما كنت احتاج إليه أكثر من كل شئ. أنا أعلم إني لست الوحيد الذي يفكر بهذه الطريقة. إن كل العالم المعاصر من حولك يجري بسرعة كبيرة. فإن لم تكن سريعاً بالقدر الكافي، فكل من حولك سيعتبرون أن بك عيباً ما.

فكر في السؤال الاستنكاري التالي: هل لازلت تصارع في هذا الأمر حتي الآن؟! ياااه هل مازلت تصارع؟! لقد سمعنا مثل هذا الكلام أكثر من مرة في حياتنا. قد يكون من يقوله شخص صادق يريد مصلحتنا بالفعل، لكن بغض النظر عن نوايا هذا الشخص فان هناك رسالة تكمن وراء هذه الأسئلة مفادها أن السرعة علامة على النجاح الروحي والبطئ علامة على الفشل الروحي والأخلاقي. كأنها تعني " إن كنت حقا تؤمن بالله كان يجب أن تكون أفضل حالا الآن."

كيف تم ربط السرعة بالأفضل و البطء بالفشل إذا؟

الفكرة المحورية في اللاهوت على مر التاريخ هي: " اتخاذ القرار" Decisionism لذلك كان من ضمن أهم خصائص العلاقة مع الله هو مدي قدرة الإنسان علي اتخاذ قرار – ليختار.

من التقاليد في النهضات الكرازية اعتدنا أن ندعو الناس للتقدم للأمام لاتخاذ القرار واعتدنا أن نقول لهم أن مشكلتك يمكن أن تحل الآن إذا اتخذت القرار. بسبب ذلك يعتقد البعض أن "السرعة" هي طريقة عمل الله دائماً فكما كان اتخاذ القرار باتباع المسيح قراراً سريعاً غير حياته بالكامل، فإن كل شيء بعد ذلك يمكن أن يتغير بنفس الطريقة: "اتخاذ القرار"

كنت قد تحدثت منذ عدة سنوات مع أستاذ في أكبر كليات اللاهوت بأمريكا و كان يصر علي أنه لم يقابل أبدا شخصا لم يستطع حل كل مشكلاته في خمس ساعات بما في ذلك الإدمان والمرض العقلي وأشياء كثيرة !

فقلت له: ماذا لو اتخذ التغيير وقتا اطول؟ فأجاب: حسنا، في هذه الحالة، أظن أنه قد يعاني ضعفاً في الإيمان، أو أنه لا يريد حقاً أن يشفى، أو ربما لم يعرف المسيح من البداية. وهكذا فإن التأكيد الدائم علي السرعة في الروحانية، عادة ما يقود الي الحكم علي الآخرين أو إدانتهم. عندما يأخذ التغيير وقتا اكثرمما نتوقع.

في رأيي، هذا التأكيد على التغيير السريع واللحزة يعد لاهوتاً غير فعال خاصة بالنسبة لمن يسيرون مسيرة التعافي فالمشكلة بالنسبة لهم ليست دائماً الاختيار. تقريباً كل مدمن قابلته في حياتي، كان يريد أن يقلع عن إدمانه بل وقد اختار من قبل وحاول أكثر من مرة، لكنه لم يستطع. نفس الشئ يمكن تطبيقه علي من تعرضوا للإساءات.

هل قرارهم بان يتحرروا من الخوف و الخزي ينفع دائماً ؟ هل القرار بترك هذه الآلام عند أقدام الصليب سيحل هذه المشكلة بالسرعة المطلوبة ؟ لا. ليس بالنسبة للكثيرين منا. لن تشفع لنا مجرد رغبتنا في التعافي، ولكن سنحتاج تغيير أموراً كثيرة.

الاختيار ليس سوى جزءاً من عملية واسعة النطاق من المساندة والتغيير الداخلي تتطلب وقتاً طويلاً إن برنامج الاثني عشر خطوة هو أفضل مثال علي هذا وذلك من جهة المساندة و القوة التي يمنحها هذا البرنامج لأعضاءه في هذه العملية المستمرة هناك مساحة في الاثني عشر خطوة للاختيار :" لقد اتخذنا قرارنا بان نسلم إرادتنا و حياتنا إلي عناية الله." ولكن هذا ليس قراراً منفصلاً يصنع كل الفرق وإنما هو جزء من عملية مستمرة من التغيير.

هناك خطر آخر يكمن في لاهوت اتخاذ القرار. لقد قابلت عددا من الناس الذين قرروا أن يتوقفوا عن الشرب و في لحظتها تخلصوا من رغبتهم الملحة للشرب بعد عدة سنوات من الإدمان. أنا اعتقد أن هذا شفاء حقيقي و لحظي بالنسبة لهؤلاء. لكني لم أقابل عائلة واحدة قد تخلصت من آثار هذا الإدمان عليها في لحظة او حتي قابلت شخصا ممن تخلص من رغبته الملحة في الشرب في لحظة و تخلص ايضا في نفس اللحظة من أفكاره غير النقية او عيوب شخصيته أو ضعفاته التي يعاني منها يوميا. عادة ما نجد أن الذين تخلصوا من إدمانهم بهذه الطريقة، وقد وقعوا في ادمانات أخري فبدلا من إدمان الكحول أدمنوا الجنس مثلاً، أو الطعام، أو العمل. نحن جميعا نعلم أن التوقف عن الشرب ليس هو المشكلة في حد ذاته فالإدمان مرض في الشخصية يظهر في صور متعددة وليس التعافي مجرد ا لتوقف عن شيء وإنما هو تغيير عميق في الشخصية والأفكار والعلاقات.

مرة أخري أنا لا أقول أن لاهوت اتخاذ القرار بالشئ السئ. إن قرار اتخاذ المسيح مخلص شخصي أمرا مهما .. يجب ان نُذكر من يسيرون مسيرة التعافي دائما بان عملية التعافي تأخذ وقتا طويلا و لكنها ممتعة أيضا. إن السرعة ليست القيمة الوحيدة في الحياة. لقد أمضي موسي أربعون سنة يرعي الخراف. هل هذه علامة علي الفشل؟ لقد بدأت خدمة يسوع العلنية بعد أن تم الثلاثين من عمره. عاني أيضا الرسول بولس من شوكة في الجسد التي ظلت تؤرقه طوال حياته. هل أي من هذه الأشياء علامة علي عدم الإيمان؟ بالطبع لا. لا و لكن كل شئ يأخذ الوقت المناسب.

تعتبر من أكثر الجراحات المفيدة بالنسبة لي هي جراحة السرطان . انك عادة لا تسأل الطبيب بعد الجراحة كم أخذ من الوقت ؟ بل تسأل هل استأصلته بالكامل ؟ الدقة و ليس السرعة هي مقياس النجاح. إن الإيمان المفيد بالنسبة لمن في مسيرة التعافي عادة ما يتضمن شعورنا بالامتنان من نحو صبر الله من نحونا لأنه طويل الروح . الله لا يحتاج لأن يسرع في عمله. إن الله أمين فهو سيظل معنا في هذا الطريق مهما استغرق من وقت. لم استمع قط الي شخص يشتكي بان التلمذة تأخذ العمر كله. او أن القداسة لا تتوقف أبدا. التعافي مثل هذه الأمور تماماً إنه أمر نعيشه كل يوم. إنها رحلة تستحق أن تستغرق الحياة كلها. لينعم علينا الله اليوم بنعمته حتي نكون أكثر صبرا و مثابرة مهما تتطلب هذا من وقت.

قيمة ا لنفس

إن ثالث نقطة لاهوتية هي جزء آخر من الصراع في حياة المسيحيين في التعافي و هو كيف نفكر و نشعر حيال أنفسنا. هذا الأمر ليس سهلا بالنسبة لجميعنا سواء للمدمنين او للناجين من الإساءات بأنواعها او لأي شخص منا. إن أول ما يتبادر لأذهاننا بطريقة تلقائية هو التطرف في احد الجانبين. إما أن نشعر بأننا بلا قيمة تماما او بأننا عظماء . كلا النقيضين أصلهم الشعور بالخزي. أحيانا نرغب في تغطية هذا الخزي بحب الذات المبالغ فيه او الشعور الزائف بالعظمة ثم في أحيان أخرى نشعر بسبب يأسنا بأننا بلا قيمة.

إن اصل المشكلة تكمن هنا في شعورنا الدفين بعدم الكفاءة، مما يتسبب في تشوهات بأفكارنا و شعورنا من نحو أنفسنا. للأسف أظن أن غالبية ا لمجتمع المسيحي يعتقدون أن أفضل شيء تشعر به تجاه نفسك هو أن تشعر أنك شخص سيء. وأنه كلما اعتقدت أنك سيء كلما كنت متواضعاً أكثر وكلما تجاوب الله معك بشكل أفضل.

هذا ما نطلق عليه لاهوت "الدودة" ـــ أنا دودة لا إنسان! , ليس من الغريب ان تجد مثل هذا اللاهوت في المجتمع المسيحي. عادة يصارع المسيحيين مع الإدمان او الإساءة او الصدمات النفسية ليجدوا أنفسهم منجذبين نحو مجتمعات مغروسة في لاهوت صغر النفس هذا ذلك لأنه يتماشي مع شعورهم بالنقص و بأنهم بلا فائدة او قيمة. إننا نشعر بالألفة مع هذا الرسائل لأننا عشناها في طفولتنا والإنسان يشعر برغبة غريزية للعودة إلى البيئة التي تربى فيها. فلماذا إذا لا نضيف صوت الله للأصوات الداخلية المألوفة التي تقول لنا," أنتم أولاد سيئون." " لا تستطيع أن تفعل أي شئ صائب حتي و إن بذلت المزيد من المجهود". " أنت فاشل!" " لا فائدة فيك!".

لكن هل هذا هو ما يعلمنا الكتاب المقدس إياه؟ هل هذه هي الأ خبار السارة ؟ لا . إنها لا تمت بصلة لأي اخبار سارة. دعونا نلقي نظرة علي مثال متطرف إلى حد ما لنرى نوعية هذا اللاهوت.

عندما نتكلم عن أن الله قدوس لا يحتمل أن يرى الشر ونحن أشرار، إذاً الله لا يحتمل أن يرانا بدون أن يغطينا يسوع ويقف بيننا وبين الله حتى أن الله كلما ينظر إلينا يرى يسوع ولا يرانا. أظن أن أغلبنا قد سمع مثل هذه العظات في وقت ما من حياته حيث تكون هذه الفكرة هي محور العظة.

كيف تتمشى هذه ا لفكرة مع قول المسيح: " ولست أقول لكن إني أنا أسأل الآب من أجلكم، لأن الآب نفسه يحبكم، لأنكم أحببتموني، وآمنتم أني من عند الله خرجت."

ان كان أحدنا قد شعر بأنه لا وجود له وسط عائلته ، وكان دائماً يتجنب رؤية أبيه له، فستكون هذه الفكرة اخبارا سارة بالنسبة له لأن الله أيضاً لن يراه.

هل الإله الذي لا يتحمل أن يرانا أو نوجد في محضره، هو نفس الإله الذي جاء يسوع المسيح ليعلن لنا عنه؟ إن كنت تفهم رسالة المسيح وكفارته بهذه الطريقة فأنا أشجعك أن تتامل قصص و أمثال المسيح في الكتاب المقدس و خاصة مثل الابن الضال. كان الأب يبحث يوميا عن ابنه في الأفق. هل عاد الي البيت ام لا. وعندما رآه آتياً من بعيد، ركض إليه سريعاً. لم يمنحه فرصة ليكمل حديثه الذي أعده والخطبة التي تدرب عليها. كان الآب هو المبادر بالمحبة والقبول والإكرام.

ماذا تظن كانت نظرة الآب للابن الخاطئ، هل كان مستاءا ؟ متجنبا ؟ بالطبع لا. لقد كان هناك حب وفرح صادقان يلمعان في عيني أبيه. لم يحتج الابن أن يختفي أو يتجنب بعد الآن فهو مقبول تماماً في محضر أبيه.

هل الله يتجنبنا لاننا خطاة؟ إن كان لديك أي تردد أو استفسار بشأن الإجابة فأرجوك أن تعود لقراءة الكتاب المقدس. هل تجنبنا الله في وقت ما؟ أم أن الحقيقة هي العكس تماما؟ ألم ياتي اللله إلينا؟ عندما رأى الله عيوب شخصياتنا وضفعاتنا وانكسارنا وألمنا، ماذا فعل؟ لقد جاء الله إلينا ليصير معنا وليجعل حياتنا أفضل.

إن محبة الله لنا ليست هشة لتنكسر إن رأى انكسارنا و اعوجاجنا و خطيتنا. مبارك الله ابونا و سيدنا يسوع المسيح الذي لم يخف نفسه عنا و عن وضعنا الميئوس منه لقد رأى الله كل شيء ولم يأت ليعاقب أو يعير. نحن لسنا "دود" أو طفيليات بالنسبة له بل نحن لديه أبناء أعزاء. قد يستغرق الأمر سنوات حتى تستقر في أعماقنا وهذا هو النمو في النعمة والنضوج في مسيرة التعافي.

علي أي حال فلقد تعلمنا و نحن مجروحين و مكسورين كيف نفكر بهذا المنطق في أنفسنا. نحن نصارع يوميا في التعافي كي لا نفكر بهذه الطريقة بل نفكر في الافضل من نحو أنفسنا و نكون صادقين و نحن نقيم أنفسنا. الصدق هو أهم عامل هنا. نجد في تقاليد برنامج الخطوات الاثنا عشر، أن جزءاً مهماً من تقييم النفس يتضمن عمل جرد صادق و أمين من نحو انفسنا. قد لا يكون جردنا لانفسنا مشجعا تماماً. و لكن استمرار عمل هذا الجرد يكسبنا الصدق و الشجاعة. والشجاعة ليست فقط

في عمل هذا الجرد ولكن في الاستمرار في الأيمان بأن الله لا يزال يحبنا ويرى أننا ذوو أهمية قصوى بالنسبة له مهما كانت في شخصياتنا من عيوب. الحب وحده هو الذي يمكن أن يحفظنا عندما نشعر بمشاعر خزي أو ذنب أو رفض. نحن نسعي لنقوم بجرد اخلاقي صادق دون خوف لأننا نريد الله أن يملئنا بمحبته . ليمنحنا الله السكينة لهذا اليوم لنفكر و نشعر تجاه انفسنا بطرق موازية لما يفكر فيه الله تجاهنا بحبه و نعمته الفائقة من نحونا.

4 comments:

Mariam Safwat said...

شكرا جدا يا دكتور أوسم, على هذا الكلام الرائع,و نفسي كل الناس اللي في الكنائس تعرف الكلام دة و تطبقه,حقيقي ربنا يكتر من أمثالك, فأنا للأسف بحس الكنيسة زي الكهنة في زمن المسيح أو زي التلاميذ اللي كانوا بينتهروا الأطفال من أمام المسيح , فأنا من الناس اللي هم زي الأطفال اللي أنتهروا و في أوقات كتير بكون زي التلاميد اللي بتنتهر و طول الوقت في أحساس جوايا كأن حد يقيمني بدرجات, أنا نفسي أكون حرة, و أعرف أكتر اله النعمة,بس عندي سؤال هو ازاي تكون في الكنيسة لغة التعافي أو لاهوت التعافي؟ و عايزة أقولك ان الكلام ده أحنا محتاجين ليه في الكنيسة و أخاف تكون الكنيسة مع الوقت مصدر اساءة و تأكيد على الدين و التفوق أكتر من النعمة و القبول ربنا يباركك, يا أحلى أب لينا

Crown of Creation said...

its a good blog, thnx a lot ;)
http://www.wedzzone.com/

Mariam Safwat said...

لا أعرف لمادا أهرب و من من أهرب و الى أين اهرب, كل يوم على نفس الحال , يمكن باهرب من نفسي جايز لأني شايفة أنه مش مهم أرى نفسى, لأه بس أنا شايفة أنه مهم أن أرى نفسي و أبحث في ذاتي بس أنا خايفة أشوف الحقيقة العارية, و اللي مشجعني أكمل في الخوف أني بلاقي في الكنيسة ناس زيي كتير خايفين من أنهم يشوفوا نفسهم عراه.
" و لكن كونوا عاملين بالكلمة لا سامعين فقط خادعين نفوسكم. لأنه ان كان أحد سامعا للكلمة و ليس عاملا فذاك يشبه رجلا ناظرا وجه خلقته في مرآه . فانه نظر ذاته و مضى و للوقت نسي ما هو" (يع1: 23,24)
أنا حاسة يعقوب و كأنه شايفني و هو بيكتب الكلام ده و مش بس أنا لكن كمان شايف حال الكنيسة, و هو أن في مشكلة كبيرة بتحصل في الكنيسة و هي مشكلة الأستماع الزائد, أي أن الكنيسة ممتلئة بالناس السميعة و الممثلين و قلة الحياة المعاشة و كأن في تناسب عكسي بين الأستماع الزائد وقلة تنفيذ ما نسمعه. للأسف الغالبية العظمى في كنائسنا اليوم وأنا منهم أصبحنا مستمعين محترفين ( مستحكة آذانهم) و نطرب لسماع العظات, و أصبحنا نستمتع بالمشهد الوعظي و كأنه أوبريت و للأسف الشديد الكنيسة كمان سعيدة بكدة و لا تحرك ساكنا و لا تصرخ و لا تطالب و لا تنادي و لا تواجه, المهم أن تنبه على مواعيد الحضور و طالما العدد مكتمل و كل واحد مزروع زرعا في كرسيه أحد ورا أحد أو سبت ورا سبت, لايهم الحياة المسيحية و لا عمقها و لا يهم التنفيذ و لا يهم المتالمين, ما دام كل واحد في كرسيه يوم الأحد. العدد كامل و نأخذ الغياب فلان موجود نعم اذن هو مسيحي قوي , فلان مش موجود لا اذن هو مسيحي عادي.
المشكلة الخطر ان البعض يخلط في نفسه بين الأستماع و التنفيذ بمعنى انه من كثرة الأستماع و المعرفة, يعتقد خطأ انه يعيش و ينفذ (الخلط بين الأستماع و التنفيذ) (خادعين نفوسكم) من كثرة تضخم المعرفة يعتقد البعض خطأ أنه يعيش, من كثرة تضخم المعرفة الكتابية و العقائديه يعتقد خطأ هذا الانسان انه مؤمن حسب قلب الله.
لأنه مؤمن بقاله في الكنيسة 10 سنين اذن أنه يعتقد في داخله انه مسيحي عامل. أنه يعرف ما في الكتاب و يعرف كل التعليم و انه من وقت لآخر ينفذ و ده كافي. حاسه ان الكثيرين في الكنيسة سوف يصدمون في السماء بمقاييس مختلفة في السماء عن ما في الكنيسة و بما هم أولون و بما هم أخرون. لأن مقاييس الكنيسة أصبحت لا تمثل مقاييس الله.
لقد أصبحنا أشخاص نهرب من نفوسنا و ذواتنا عن طريق الأتيان للكنيسة لنسكت صوت ضميرنا. و للأسف لا أحد يتحرك ليوقف هذة المهذلة التي تحدث كل يوم و أسبوع ورا أسبوع ( ماذا ينتفع الأنسان لو ربح العالم كله و خسر نفسه) الأن في نوعين في الكنيسة ناس تتألم و تموت من الألم و ناس تسمع صراخهم و لا تتحرك مثل الكاهن و المجروح في مثل السامري الصالح. الى متى ؟ متى سنقف و نبتدي نرى أنفسنا كما هي و نرجع لذواتنا كما فعل الأبن الضال و نمد يد العون للمتالم اللي في الكنيسة أمتى الكنيسة تفوق و تبطل تعيش في الأنكار . أنا خايفة تكون الكنيسة ربحت حاجات كتير و خسرت نفسها!!!!!!!!!!!!!!!!!!!

Unknown said...

الله لا يهمه الوقت، لكن الزمن مهم عند الإنسان. ولا أعلم لماذا ينتظر الله وكأنها عادة عنده فلا يأتي إلا في الهزيع الرابع من الليل.
نعم نحن في مسيرة التعافي نحتاج إلى لاهوت مختلف ومتطور وحتى الآن لم نتطرق إلى لاهوت الألم. لقد سمعت أن كل منا عليه أن يجد لاهوته الخاص به من نحو الألم. ما يحزنني في لاهوتي أني أرى أن الممسيح تألم لكن ألمه كان لسبب، تألم ليفدي أو تألم ليكون مثلنا، فكان لألمه معنى. لكني كإنسانة ما معنى الألم الذي تألمت به؟ ما معنى حياتي إن كان نصفها الأول يتسم بالإساءة ونصفها الثاني يتسم بالتعافي؟ هل خلقت لكي أتألم ثم أتعافى؟ والتعافي لا يرجع ما قد خسرته في حياتي بسبب مرضي.