Friday, April 6, 2007

المحاضرة السادسة

الجنسية المثلية؟

ما هي الجنسية المثلية؟ ولماذا نقول الجنسية المثلية وليس الشذوذ الجنسي؟

ليس هذا لأننا لا نؤمن أن الجنسية المثلية نوع من الخروج عن التعبير الطبيعي للجنس ولكن لأن عبارة الشذوذ الجنسي قد حملت على مدار السنين الكثير من الإيحاءات المهينة والمقللة من شأن المثليين. نحن مثلاً لا نحب أن ندعو من فقد بصره "أعمى" ولكن نقول "كفيف". أيضاً لفظ شذوذ جنسي لا يقدم وصفاً واضحاً ودقيقاً للحالة فللشذوذ الجنسي أنواع عديدة ؛ مثل ممارسة الجنس مع الحيوانات والتلصص والاستعراض وغيرها.

لا يوجد تعريف شامل واحد للجنسية المثلية. ربما من الأسهل أن نقول ما ليس هو جنسية مثلية. الجنسية المثلية ليست عيباً وراثياً ولا اختلالاً هورمونياً ولا مرضاً عقلياً ولا هي نتيجة لتسلط الأرواح الشريرة. الجنسية المثلية تعني انجذاب الرجال عاطفياً وجنسياً للرجال أمثالهم والنساء للنساء. لماذا يختبر الناس هذا الانجذاب لنفس الجنس؟

الجنسية المثلية سلوك يتم تعلمه من خلال عوامل متعددة مركبة تشكل سلوك الإنسان منها ما هو يقع الإنسان تحت تأثيره بلا اختيار منه ومنها ما هو اختيار شخصي.

* كثير من الجنسيين المثليين شعروا منذ طفولتهم أنهم مختلفين وبالتالي يعتقد الكثيرون أنهم مولودون هكذا. كثيراً ما تعطي المجلات والتلفزيون الانطباع أن العلم قد اكتشف أن الجنسيين المثليين يولدون هكذا.

لكن الإحساس المبكر بالاختلاف ليس هو العامل الوحيد. البعض يعتقدون أن بعض الناس يصبحون جنسيين مثليين لأنهم اختاروا ذلك. لكن أغلبهم لا يختاروا أن يكونوا هكذا. ميلنا الجنسي ليس من الأمور التي نستطيع أن نغيرها بإرادتنا بسهولة. بالطبع ما نفعله يخضع لإرادتنا. بالطبع سلوكياتنا الجنسية تخضع لإرادتنا فنحن نستطيع أن نختار الطريقة التي نتجاوب بها مع مشاعرنا. مشاعرنا تدفعنا إلى سلوكيات معينة ولكننا نستطيع أن نسيطر على مشاعرنا. أيضاً ليس كل من يشعرون بالميل نحو نفس الجنس يحبون أن يطلق عليهم لفظ Gay أو lesbian

* عامل آخر يجب ملاحظته وهو ما حدث لهؤلاء الأشخاص في حياتهم. ربما تعرضوا لجروح نفسية ربما تؤثر على شعورهم تجاه أنفسهم. ربما تعرضوا للانتهاك الجنسي أو عاشوا في علاقات سيئة مع والديهم( من خلال عملنا مع العديد من الذين يصارعون مع مشاعر الجنسية المثلية نعلم أن الكثيرين تعرضوا لمثل هذه الأمور). بالطبع ليس كل من يتعرض لإساءات جنسية أو من كانت له علاقة سيئة بوالديه يصبح منجذباً نحو نفس الجنس. وليس كل من لديهم ميل لنفس الجنس تعرضوا للانتهاك الجنسي. بمرور الوقت تعمل كل هذه العوامل معاً: الجروح والانتهاكات التي تعرضوا لها و كم المساعدة التي حصلوا أو لم يحصلوا عليها لتجاوز هذه الجروح والإساءات والاختيارات التي اختاروا أن يفعلوها كرد فعل لهذه الجروح وكل هذا قد يؤدي في النهاية إلى انجذابهم لنفس الجنس.

على وجه العموم يوجد عدد من العوامل المختلفة التي بدرجات مختلفة من الأهمية تؤثر في حياة الناس. ربما تشتمل هذه العوامل على:

1) عوامل ولدوا بعها (استعداد وراثي لنوع من الشخصية). هذا مجرد "استعداد" وراثي وليس "تحديد" وراثي. ليس كلون العينين ولكن مثل الاستعداد للسمنة أو الاستعداد لإدمان الكحوليات.

2) هناك أيضاً التعرض لتأثيرات هورمون الأنوثة بالنسبة للطفل الذكر في بطن أمه......

3) خبرات سيئة في الطفولة مثل الإساءات الجنسية أو الرفض من الوالدين أو الأقران

4) كم ونوع التعضيد والمساندة الذي حصلوا عليه كأطفال ومراهقين للتعامل مع ما كان يحدث وقتها.

5) نوع التربية الأخلاقية التي تلقوها كأطفال ومراهقين.

6) الاختيارات التي اختارها هؤلاء الأشخاص للتعامل مع مشاعرهم وميولهم.

7) كم الوضوح أو التداخل بين دور الرجل والمرأة في الثقافة. د

لا يوجد شخصان يعيشان في أسلوب الحياة المثلي لنفس الأسباب. ربما كانت الخلفية الأسرية لأحدهم سيئة وربما عاش أحدهم تربية مثالية منضبطة من حيث الحب والحزم في البيت. صحيح أن العلاقة بالأهل يمكن أن تؤثر في الجنسية المثلية ولكننا لا نستطيع أن نعتبرهم مسئولين تماماً عن هذا الأمر. الشخص المثلي ليس ضحية للظروف تماماً فاختياره الشخصي له دور أيضاً ولكن التفاعل بين العوامل التي ليس له دور فيها والعوامل التي من اختياره معقد جداً وخاص جداً بالنسبة لك شخص. لذلك فإن الله وحده هو الذي لديه الحب الكافي والعلم الكافي لكشف أسرار ما حدث والبدء في إحداث التأثير العكسي من الجنسية المثلية نحو الشفاء.

ليس كل الجنسيين المثليين متورطين في السلوكيات الجنسية المثلية بنفس الدرجة. تختلف درجات ا لتورط من:

أولاً: من يعيش فقط في الخيالات الجنسية.

ثانياً: من يمارس سلوكيات جنسية لكن لا يعتبر الجنسية المثلية هوية خاصة به.

ثالثاً: من يعيش الهوية المثلية وأسلوب الحياة المثلي كأسلوبه المفضل للحياة، فيسمي نفسه مثلياً gay وينخرط في الثقافة المثلية والمجتمع المثلي الموجود في كل ثقافة أو دولة، ربما فوق الأرض في بعض الدول وتحت الأرض تحت دول أخرى لا يزال المثليون فيها لا يحصلون على اعتراف رسمي من الدولة والمجتمع.

رابعاً: من يعيش الجنسية المثلية كقضية سياسية واجتماعية فيدافع عن أسلوب الحياة المثلي. مثل هؤلاء قد ينظمون ويشاركون في مظاهرات و مسيرات لتأييد أسلوب الحياة المثلي، وربما يكونون عدوانيين على من يتفق معهم في الرأي.

لذلك عندما نتعامل مع المثليين، يجب أن ندرك أنهم بشر مثلنا، لهم أحاسيسهم واحتياجاتهم. ربما لا نتفق مع أسلوب حياتهم، لكن هذا لا يحرمهم من حقهم في القبول والاحترام. في واقع الأمر يعد حصولهم على الحب والقبول والاحترام من الغيريين (غير المثليين) خطوة أساسية في شفائهم من الجنسية المثلية.

الحقيقة بشأن الممارسات الجنسية المثلية

منذ أواخر الستينات وأوائل السبعينات والضغوط السياسية والاجتماعية في الغرب (الولايات المتحدة بشكل خاص) تحاول تصوير الجنسية المثلية أنها ممارسة بريئة واختيار مقبول لممارسة الحياة الجنسية. مجرد ضغوط سياسية لجماعات حقوق المثليين دون أبحاث علمية تذكر، وإن كانت هناك أبحاث فيمكن أن نسميها أبحاث "إعلامية" أكثر من كونها علمية لأن وسائل الإعلام تلتقط بعض المحاولات البحثية غير المثبتة وتصنع منها عناوين الصحف والمجلات ومواقع الانترنت. وفي موضوعات تالية سوف نشرح هذه الأبحاث لنرى كم هي "إعلامية" أكثر من كونها "علمية"، أما الآن فهاكم بعض الحقائق الإحصائية التي وردت في كتاب "التنظيم الاجتماعية للجنس: الممارسات الجنسية في الولايات المتحدة[1]

مقارنة بين المحددات الأساسية للسلوك المثلي والغيري

النسبة

الغيريين

المثليين

المؤشر

1: 35

97.2

2.8

إجمالي النسبة في المجتمع (ذكور)

1: 70

98.6

1.4

إجمالي النسبة في المجتمع (إناث)

12: 1

4

50

متوسط عدد الشركاء الجنسيين طوال العمر

7: 1

1.2

8

متوسط عدد الشركاء الجنسيين خلال السنة الآخيرة

1: 41

83%

أقل من 2%

نسبة الملتزمين بشريك واحد


9.5 %

65%

نسبة الجنس الشرجي خلال السنة الأخيرة

هذه الإحصائات تشير إلى

1) فشل العلاقات المثلية وهذا واضح من عدد الشركاء طوال العمر وهو يصل إلى 50 بالنسبة للمثليين و4 بالنسبة للغيريين وأن نسبة من يلتزمون بشريك واحد في المثليين أقل من 2% أما الغيريين فتصل إلى 83% أي أن العلاقات الغيرية أكثر استقراراً جداً. كما تشير نفس الدراسة إلى أن 90% من النساء الغيريات و 75% من الرجال الغيريين لم يمارسن/يمارسوا الجنس خارج الزواج.

2) ممارسة الجنس الشرجي (والذي يحمل أكبر خطورة فيما يتعلق بانتشار فيروس الإيدز) أوسع انتشاراً بين المثليين من الغيريين

نفس هذه الدراسة أوضحت أن المثليين يستخدمون الواقي الذكري أكثر من الغيريين فهم يستخدمونه بنسبة 60% بينما يستخدمه الغيريون بنسبة 35% إلا أن فيروس الإيدز ينتشر بين المثليين بصورة أكبر من الغيريين بسببين: الأول هو أن المثليين يمارسون الجنس مع عدد أكبر من الشركاء بينما يميل الغيريون للالتزام بعدد أقل من الشركاء والسبب الثاني هو انتشار الجنس الشرجي بين المثليين أكثر من الغيريين

فشل العلاقات المثلية

في دراسة بعنوان (الزوجان الرجال) The Male Couple[2] والتي أجراها أخصائيان نفسيان من المثليين واللذان كانا في علاقة "زوجية" وقد درسا 156 زوج من المثليين الذين ظلوا معاً لفترات تتراوح بين سنة و 37 سنة، وجدا النتائج التالية:

1) 56 ظلوا معاً لفترة أقل من 5 سنوات ، فقط 7 منهم كانوا مخلصين للشريك الآخر !

2) 100 ظلوا معاً أكثر من 5 سنوات ، لم يكن أي منهم مخلصاً!

أي أن نسبة الإخلاص لشريك واحد كانت 12% لمن مكثوا معاً أقل من 5 سنوات ثم نزلت إلى صفر % لمن مكثوا معا أكثر من 5 سنوات.

 
جذور الجنسية المثلية
هناك جذور  للانجذاب المثلي، وتكمن هذه الجذور أحياناً  في أحداث تتعلق بماضي من الانتهاك أو الاعتداء الجنسي. الاعتداء الجنسي يشمل أي اتصال أو تفاعل يتم من خلاله استخدام شخص أكبر أو أقوى أو أكبر تأثيراً، طفلاً أو مراهقاً من أجل الحصول على إثارة جنسية. 
تظهر الدراسات أن حالات الانتهاك الجنسي تشيع في طفولة المثليين البالغين. إحدى الدراسات أشارت إلى أن نحو 80% من الرجال المثليين الذين شملتهم الدراسة قالوا أنهم تعرضوا لانتهاك جنسي على يد شخص بالغ قبل وصولهم لسن العاشرة. 
وكما هو الحال مع أي من العوامل التي نبحثها، فإن الاعتداء الجنسي لا ُينتِج تلقائيا الانجذاب الجنسي. غير أنه بالنسبة للبعض قد يمثل جزءا كبيرا من سياق يساعد على تكون الانجذاب الجنسي. وعادة ما تختلف الطريقة التي يؤدي بها الاعتداء الجنسي للتأثير على تطور تلك الميول ما بين الرجال والنساء. 
 
الضرر الذي يحدثه الاعتداء الجنسي على الرجال
يمكن أن تكون المشاعر المختلطة القوية التي يشعر بها الفرد الذي تعرض لاعتداء بعد أحداث الاعتداء الجنسي جزءا مما يشكل الميول المثلية. التخبط أو التشويش  في هذه الحالة يمكن تعريفه بأنه "الشعور بشعورين متناقضين في الوقت نفسه". وتكون النتيجة إحساس غامر بالخزي والحيرة.فالأمر المحير بالنسبة للولد الصغير هو أنه برغم الموقف البشع الذي تعرض له، فقد شعر ببعض اللذة، وهو ما يجعله
يشعر بإحساس قوي بالعار. لقد حدث اتصال  وتلامس جسدي، من طبيعته إثارة شعور باللذة العاطفية والجنسية،ولكن هذا الاتصال ذاته كان في نفس الوقت فظيعا!
من الصعب أن يقبل الصبي الصغير أو المراهق أنه قد استمتع بقدر من اللذة الجنسية مع رجل أو ولد أكبر. وتزيد حالة التخبط والشعور بالعار حينما يكون الاعتداء الجنسي هو السياق الوحيد الذي بدا فيه لهذا الصبي أن عطشه للحب الذكوري والاتصال مع رجل قد ارتوى. ويترك هذا انطباعا خادعا بأن الجنس والحب أمران متلازمان دائما. 
إن الشعور بالعار وحالة الالتباس هذه يؤديان إلى إثارة أفكار ملحة ومتعبة مثل: "يا ترى ده معناه إن أنا إيه؟!" "يمكن أنا شاذ"، وبناء على ذلك يمكن أن يؤدي الضرر الذي تحدثه تلك المشاعر المختلطة إلى جعل الأولاد الصغار المشوشين يعتقدون أنهم شيء ليسوا كذلك. 

العلاقة من الوالد من نفس الجنس

تعد العلاقة مع الوالد من نفس الجنس. الأب في حالة الذكر والأم في حالة الأنثى، أهم العلاقات التي تكون الهوية الجنسية وبالتالي الانجذاب الجنسي. فإذا كان هناك مشكلات في هذه العلاقة من خلال غياب هذا الوالد أو عنفه وقسوته أو سوء العلاقة بين الوالدين، فإن الطفل لا يحصل على احتياجاته النفسية من هذا ا لوالد.

الولد يحتاج لحب أبوي ذكوري من أبيه والبنت من أمها ، ولكن عندما لا يكون ذلك الحب موجوداً بسبب البعد المكاني أو النفسي، فإن ا لطفل "يفصل نفسه نفسياً" عن الوالد من نفس الجنس لكي يحمي نفسه من الإحباط. هذا الانفصال النفسي يمنع من تكون الهوية الجنسية التي تنشأ بالتوحد بالوالد من نفس الجنس (الأب بالنسبة للولد والأم بالنسبة للبنت) كما أن هذا الشوق ا لقديم للحب الذكري بالنسبة للولد والحب الأنثوي بالنسبة للبنت يظل قابعًا بالداخل منتظراً الإشباع، وعندما يحدث هذا الإشباع في وقت متأخر أو بطريقة جنسية، يحدث ربط بين هذا الاحتياج العاطفي واللذة الجنسية، أي يحدث نوع من "جنسنة" هذا الاحتياج للأبوة والأمومة.

أيضاً عندما لا يتوحد ا لولد مع أبيه وتكون أمه مسيطرة و حامية وخانقة المحبة فإنها تمنعه من الدخول في عالم الرجال وبالتالي يظل هذا العالم مكتنفاً بالغموض والسرية وفي النفس الوقت يظل الطفل مشتاق لهذا العالم. وعندما يأتي سن المراهقة فإن هذا الشوق وذلك الغموض يؤدي إلى نمو الانجذاب الجنسي تجاه الذكور والأمر نفسه بالنسبة للإناث عندما ينجذبن للإناث أيضاً.

بعض الآباء يشعرون أكثر من غيرهم بالأسف على الطرق التي أخفقوا فيها في تربية أولادهم أو أضروا بأولادهم من خلالها، ومع ذلك من الخطأ تحميل اللوم كله للوالدين، فالأمر الأهم يتعلق بالطريقة التي يدرك بها الطفل تلك المعاملة ويتجاوب معها. بعض الأطفال يشعرون بالجرح من والديهم فيتباعدون عنهم حتى يحموا أنفسهم. وبهذه الطريقة يمنعون أنفسهم، دون أن يدركوا، من تلقي أحجار البناء الأولى في هويتهم الجنسية (كرجال أو نساء).

عبرت خبيرة في علم النفس تدعى إليزابيث موبرلي Elizabeth Moberly عن العلاقة بين خبرات الطفولة والجنسية المثلية بالقول: "إن الجنسية المثلية هي عجز في قدرة الطفل على التواصل مع الوالد من نفس الجنس وينتقل هذا العجز (فيما بعد) إلى التعامل مع البالغين من نفس الجنس عموما. ويمكن القول إن المشكلة ليست أن الشخص المثلي البالغ يريد حبا من نفس الجنس، بل أن حاجات الطفولة لديه المتعلقة بتلقي الحب من الوالد من نفس الجنس لم تُسدد، ولذلك يحاول هذا الشخص إشباع تلك الحاجات الآن عن طريق علاقات مع بالغين آخرين من نفس الجنس تشمل أنشطة جنسية كطريقة خاطئة لتلقي الحب.

العلاقة مع الوالد من الجنس الآخر

ليست العلاقة مع الوالد من الجنس الآخر بنفس القدر من الأهمية في كل حالات تطور الميول المثلية ، ولكن في الكثير من الحالات تزيد هذه العلاقة من صعوبة المشكلة التي خُلقت أساسا بسبب البعد في العلاقة مع الوالد من نفس الجنس، أو بسبب التعرض لتهجم أو اعتداء من جانبه.

مثلا يمكن أن يؤدي الوالد من الجنس الآخر إلى زيادة المسافة والعداوة بين الطفل والوالد من نفس الجنس عن طريق التحدث إلى الطفل عن مشكلات زوجية عديدة، وهو الأمر غير السليم. مثلا أن تكون الأم شديدة الحماية ولا تسمح لابنها بأن يجاهر أبدا بالتعبير عن نفسه كذكر عن طريق اتخاذ أي مبادرات قوية، أو ربما تُسخِّف باستمرار من كفاءته وتجعله يشعر بأنه في غير المكان الصحيح كذكر أو بعدم الأمان في رجولته. أو أن يكون هناك أب كان يريد بشدة أن يرزق بابن حتى أنه يعامل ابنته كأنها ولد، متجاهلا أنوثتها بالكامل.

وحينما يكون هناك طفل يشعر بالفعل أن الصلة مقطوعة بينه وبين الوالد من نفس الجنس، وفي نفس الوقت يجد أن الوالد من الجنس الآخر لا يشجع تعبيره عن ذكورته (أو أنوثتها) بل ينتقده ويستغله أو يتجاهل تلك الذكورة فيه، فإن هذا يخصب التربة التي يمكن أن تنمو فيها الميول المثلية.

التفاعلات مع الأقران

ما بين سن الرابعة والخامسة ينتقل الأطفال من اللعب إلى جانب الأطفال الآخرين، إلى اللعب مع الأطفال الآخرين. ويبدأ الأطفال التعلم كيف يكون لهم أصدقاء. هذه الصداقات المبكرة تضيف إلى الهوية الجنسية للطفل، فالأطفال يحتاجون لحب وقبول الأطفال الآخرين من أقرانهم في نفس السن، خاصة من الأطفال من نفس الجنس، والصداقات من نفس الجنس تلعب دورا هاما في عملية بناء الهوية الجنسية Gender Identity.

ولكن الأطفال المتخبطين في علاقاتهم مع الوالد من نفس الجنس قد يختبرون أيضا درجة مماثلة من البعد والرفض في العلاقة مع أقرانهم من نفس الجنس، بما يضيف إلى حالة التشويش وعدم الأمان التي يشعرون بها. وفي بعض الحالات يتوقع الأطفال أن يلقوا نفس المعاملة من أقرانهم كتلك التي يلقونها من الوالد من نفس الجنس.

ربما يشعر ولد صغير أنه غير متوافق تماما مع أقرانه الذكور، مثلما يشعر تماما تجاه والده. وربما تشعر طفلة صغيرة أنها لا تنتمي إلى البنات من نفس عمرها مثلما تشعر تماما تجاه أمها. غير أن الرغبة في الانتماء والقبول تظل صارخة تطلب الإشباع، وإذا لم يندمج الأطفال أو المراهقون مع أقرانهم من نفس الجنس فربما ينجذبون للوقوع في علاقات غير صحية تبدو وكأنها ستسدد الاحتياج للقبول.

التغيير

على ماذا ينطوي التغيير؟

من الأهمية البالغة أن يكون لدينا توقعات واقعية عن الرحلة التي يتم اجتيازها للخروج من دائرة الجنسية المثلية، إذ أحيانا ما يعتقد البعض أنهم إذا صلوا بالقدر الكافي أو تمنوا غاية التمني، فإن جنسيتهم المثلية ستولي بلا رجعة. بالطبع هذا ليس توقعا واقعيا، فالتغير على صعيد التوجه الجنسي يحدث نتيجة عملية عادة ما تنطوي على مجهود شخصي شاق.

تخيل مثلا أنك تريد أن تكون لديك حديقة خضراوات. قد تصلي لسنوات أن يجعل الله الخضراوات تنمو في حديقتك، وحينما لا يحدث شيء، ربما تقرر أن تغضب من الله لأنه لم يستمع لصلواتك. غير أن الحقيقة هي أنه في الوقت الذي يجعل الله الخضراوات تنمو، فإن علينا أن نمهد الأرض، ونغرس البذور، ونداوم على سقي النبات وقلع الأعشاب الضارة، بل ونعمل ما هو أكثر من ذلك. بهذا تكون لدينا أفضل فرصة في الحصول على خضراوات وقت الحصاد. بالمثل فإن الأفراد الذين يريدون أن يختبروا تغييرا في ميولهم وممارساتهم الجنسية يتعين أن يبذلوا الكثير من الجهد في إطار عملية مستمرة. حقا يقوم الله بعمله، ويتمم بروحه أمورا لا يمكننا نحن أن نعملها، ولكن علينا أن نمهد السبيل و نتيح الفرصة في حياتنا ونتعاون مع ما يرغب الله في فعله فينا.

يتوقف الوقت الذي تستغرقه عملية التغير من الجنسية المثلية إلى الجنسية الغيرية على عدة عوامل، منها:

1. الجذور المتعلقة بالأمر. كلما كانت الجذور المتصلة بانجذاب الشخص إلى آخر من نفس جنسه معقدة وصعبة، كلما قد تستغرق عملية التغيير وقتا أطول. على سبيل المثال، ربما تستغرق تلك العملية وقتا أطول بالنسبة لشخص تعرض لانتهاك جنسي شديد في الطفولة عما تستغرقه بالنسبة لشخص تعرض لانتهاك جنسي بسيط.

2. قدر الدعم المتوافر لدى الفرد. كلما استعان الشخص بوسائل مساعدة كلما كان بإمكانه توقع إحراز تقدما أفضل. على سبيل المثال، امرأة تحضر مجموعة الدعم فقط من الأرجح أنها ستحرز تقدما أبطأ من أخرى تستعين إلى جانب مجموعة الدعم بمشورة فردية، وشركة في الكنيسة، ولديها صديقات وأصدقاء يمكنها أن تتشارك معهم بما يحدث في حياتها.

3. مدى قدرة واستعداد الشخص على مواجهة أمور شخصية صعبة. حيث أن عملية التغيير تنطوي على مواجهة أمور شخصية صعبة، مثل مشكلات وجذور عميقة لدى الفرد، وكذلك مواجهة الألم المتعلق بتلك الأمور، فإن قدرة الشخص ومدى استعداده على مواجهة تلك الأمور سيؤثر في معدل التقدم. يجدر الإشارة فيما يتعلق بمدى الاستعداد على مدى صدق رغبة الشخص فعلا في التغيير.

ليس من المستغرب أن تستغرق عملية التغيير خمس أو عشر سنوات. وليس في هذا مدعاة لليأس،

إذ يمكن أيضا أن تقل وطأة المشاعر المثلية بشكل كبير في وقت أقرب من ذلك كثيرا. إذا كان الله جزءا من عملية التغيير، فإنه سيسير إلى جانبك، ويحميك، ويرشد طريقك، ويضيء بنوره في ظلمتك. تذكر أن غاية الهدف في الحياة ليست الوصول إلى الجنسية الغيرية كنقيض للجنسية المثلية، بل اتباع الله وتسلميه الحياة بالكامل.

هل هناك ضمان للنجاح؟

مثلما هو الأمر مع أي أمور شخصية عميقة ربما يريد المرء تغييرها، فإنه ليست هناك نتائج مضمونة. ليس بإمكان أي شخص أن يعدك أنه في سنين هذه عددها ستختبر تغييرا كاملا للتوجه الجنسي. الكثيرون يختبرون فعلا تغييرا كاملا للتوجه الجنسي، بمعنى أنه بينما كانوا قبلا ينجذبون إلى نفس الجنس فحسب، أصبحوا الآن ينجذبون إلى الجنس المغاير فحسب. آخرون يختبرون تقدما ملحوظا نحو الهدف، فربما أصبحوا الآن ينجذبون بالكامل إلى الجنس المغاير وأصبحوا على استعداد للزواج، ولم يعد لديهم سوى أقل القليل من الانجذاب إلى الجنس المثلي. وبالنسبة لآخرين، ربما يحدث تغيير كبير في انجذابهم نحو الجنس المغاير دون أي تغير في انجذابهم نحو نفس الجنس. وآخرون ربما يصبحون قادرين على اختيار اختيارات صحية فيما يتعلق بسلوكهم وإن وجدوا أن انجذابهم ورغباتهم ظلت كما هي. حينما يتعامل شخصان مع نفس المسألة، من الطبيعي توقع نتائج مختلفة، وبالتالي فإن التغيير يحدث حقا ولكن لا يمكننا ضمان المحصلة النهائية أو الوتيرة التي يحدث بها التغيير.

الأساس الأفضل للبدء في رحلة التغيير

1. الحياة أكبر من مجرد التوجه الجنسي. لا تدع رغبتك في ترك الجنسية المثلية تصير بؤرة التركيز الأساسية لحياتك. لا تدع التغيير يصبح هاجسا متسلطا عليك، إذ أن هذا أيضا أمر غير صحي.

2. الله يحبك ويقبلك كما أنت اليوم. إن الكيفية التي تفكر بها وتشعر بها وتتصرف بها ربما بالتأكيد ستؤثر في كيفية إدراكك واختبارك لحبه، غير أن محبته لك غير متوقفة على ما تفكر أو تشعر به أو ما تفعله. ليس عليك أن تتغير أولا، أو أن تصير كاملا، أو أن "تنصلح"، حتى يحبك الله.

أحيانا نجد أننا نميل إلى الاتجاه نحو تطرف أو آخر، والتطرف الأول هو القول إن الله يحب كل

البشر ما عداي أي أنني لست صالحا بما يكفي. هذه ببساطة كذبة. ليس من شخص "صالحا بما

يكفي" حتى يحبه الله، ولكن لأن الله خلقنا، فإنه يحبنا كلنا. الله يحبنا في وسط انكسارنا وخطيتنا.

أما التطرف الآخر فهو القول إن الله يحبني كما أنا تماما ولذلك ليس علي أن أكون منفتحا للتغيير

الذي يريد الله أن يحققه في حياتي. وهذا أمر غير صحيح أيضا. فالله يحبنا كما نحن، ولكنه يريد أن

يأتي بنا إلى الشفاء وإلى فهم أعمق لمعنى أن نكون أبناء له.

عندما نعرف أن الله يحبنا ويقبلنا كما نحن، فهذا يسهل علينا حب وقبول أنفسنا كما نحن عليه. نحتاج أن نقبل هذا الجزء منا الذي يختبر الانجذاب إلى نفس الجنس، وأن نعمل نحو تلبية الحاجات المشروعة التي لم نحصل عليها ، ونتعامل مع الجروح التي ساهمت في حدوث مثل هذا الانجذاب.

3. لست مضطرا أن يكون تعريفك لنفسك مبني على توجهك الجنسي.

الهوية الرئيسية للإنسان هي كونه ابنا محبوبا أو ابنة محبوبة لله. هذه هي هويتك الحقيقية، سواء تدرك ذلك الآن أو لا تدركه. ليس عليك أن تستخدم مسمى ما تلصقه بنفسك ، وبدلا من القول "أنا مثلي" أو "عندي شذوذ جنسي" ، يمكن أن تصف ما تشعر به أو ما تختبره بعبارة بسيطة مثل "أنا باتعامل مع مشاعر مثلية"، أو "أنا بانجذب لرجالة"، أو "أنا بأشعر بانجذاب لنفس الجنس".

من المهم، خاصة في الأوقات التي تكون فيها عملية التغيير محبطة، وستكون كذلك في بعض الأوقات، أن نتذكر أننا ننتمي إلى الله وليس من شيء يمكن أن يفصلنا عنه. هذه الحقيقة يمكن أن تساعدنا على الحفاظ على الإدراك السليم وتبقينا مركزين على جود الله ومحبته لنا، وأمانته لنا في كافة الظروف.

بالنسبة لكثيرين يحدث التغيير بينما نركز بفاعلية على أمرين:

1. نحتاج أن نتعامل مع جذور الانجذاب الجنسي. وهي الأحداث السلبية والتي ألحقت ضررا وكذلك ديناميكيات الطفولة، مثل التعرض لاعتداء جنسي، أو الرفض، أو الافتقار إلى العلاقة مع والدينا، أو تعرضنا للتشهير أو الخزي، إلخ. وبينما ليس بإمكاننا أن نغير ما وقع بالفعل، فإنه بإمكاننا أن نغير الطريقة التي تأثر بها تلك الأمور علينا اليوم والكيفية التي ندرك بها ما حدث.

2. وبينما يتم التعامل مع الجذور، نحتاج أيضا أن نتوقف عن الأنماط غير الصحيحة للحياة والفكر ونتعلم أنماطا جديدة بديلة.

عملية التغيير

1. يمكن القول إن عملية التغيير مختلفة ومتماثلة في نفس الوقت بين شخص وآخر. فلكل شخص شخصيته الفريدة وكذلك تاريخه الشخصي ومنظومة الدعم لديه (الأشخاص والأشياء التي تدعمه وتسانده) وغيرها من الأمور التي تختلف عن أي شخص آخر. لكن في الوقت نفسه هناك الكثير من الخيوط المشتركة التي تسري في عملية التغيير لدى أغلب الأشخاص. فالاعتداء الجنسي في الطفولة والقضايا المتعلقة بالعلاقة مع الأب والأم من أكثر الجذور شيوعا التي يلزم أن يتعامل معها الكثير من الرجال والنساء في عملية التغيير الخاصة بهم. كما أن الشعور بأن الشخص بشكل ما "مختلف" والاعتراف وقبول ما أطلقه علبنا الأقران من تسميات أو أوصاف تتعلق باختلافنا قصة شائعة أيضا.

2.التغير يحدث على الأصعدة الثلاثة للسلوك، والخيالات الجنسية أو العاطفية، والانجذاب. حيث أن التغير عملية مستمرة، فمن المهم إدراك أن التغير على أحد الأصعدة قد يحدث قبل التغير على صعيد آخر. فبينما يمكننا أن نختار ما نفعله وما نفكر فيه، فإننا أقل تحكما في مشاعرنا وما ننجذب إليه. لا تحبط حينما يتغير جانب ولا يتغير جانب آخر هذا أمر طبيعي.

3.كثيرا ما تسوء الأمور قبل أن تبدأ في التحسن. فبينما نبدأ في التعامل مع القضايا الصعبة من الماضي، عادة ما نواجه الكثير من الألم. قد تبدو الأمور أسوأ ببساطة لأننا بدأنا نواجه قضايا ماضية تجاهلناها أو أنكرناها من قبل.

الله أمين أن يرشدنا إلى الأشخاص المناسبين، وإلى الأصدقاء والموارد المناسبة وغير ذلك من الأمور التي نحتاجها خلال هذه الرحلة. و قبل كل شيء، هو نفسه يسير معنا!


[1] The Social Organization of Sexuality: Sexual Practices in the United States (Sex in America) Edward O. Laumann (N.Y. Warner books) 1994

[2] D.P. McWhriter and A.M. Mattisson, The Male Couple- How Relationships Develop, (N.J.: Prentice Hall) 1984

No comments: