Thursday, February 15, 2007

ما هو التعافي وما هو الإدمان؟

المحاضرة الأولى

تعريف التعافي والإدمان

ما هو التعافي؟

التعافي بشكل عام هو تعبير يطلق على خبرة العلاج من الأمراض المزمنة. وفي المجال النفسي والسلوكي يطلق هذا التعبير عادة على العلاج من الإدمانAddiction والإساءات Trauma ولكنه مفهوم يمكن استخدامه للإشارة إلى العلاج من الكثير من الأمراض النفسية والسلوكية. التعافي النفسي هو عملية مستمرة طويلة المدى من النمو والنضوج النفسي والروحي يتضمن تغييراً متزايداً في السلوك والتفكير والعلاقات أي تغيير في الإنسان ككل.

التعافي والشفاء الداخلي

بدأ مفهوم الشفاء الداخلي أو شفاء الذكريات يصبح معروفاً في الكنيسة في أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات[1] و تتميز الممارسات الروحية والنفسية المختلفة التي تقع تحت عنوان "الشفاء الداخلي" بأنها خبرات روحية تحدث مرة واحدة أو عدة مرات يفترض بعدها حدوث "شفاء" أو "إطلاق" أو "تحرير" من ذكريات مؤلمة أو قيود روحية أدت إلى اضطرابات نفسية وسلوكية بحيث يتم الانتهاء بعدها من ذلك الأمر تماماً. هذا يختلف عن مفهوم التعافي الذي هو عملية مستمرة من النضوج والتغيير بالرغم من وجود مشكلة مستمرة بحيث لا يحدث شفاء تام وإنما تعافي مستمر. بهذا المفهوم يشبه المدمن مريض السكر الذي يمكنه أن يعيش بدون أعراض جانبية وبدون إعاقة كأي إنسان عادي، ولكن عليه أن يتفادى أكلات معينة ويواظب على أخذ الدواء أو حقن الإنسولين في موعدها. أيضاً مدمن المخدرات يمكن ألا يتعاطى المخدرات مطلقاً ويعيش حياة بناءة وفعّالة مثل أي شخص في المجتمع لم يتعاطى المخدرات مطلقاً، لكن لكي يعيش بهذه الصورة عليه أن يتجنب أماكن معينة وعلاقات معينة ويواظب على الصلاة والتأملات والقراءات، و حضور مجموعات واجتماعات التعافي ويحافظ على علاقة حيّة وفعّالة مع مجتمع التعافي.

يؤكد "الكتاب الكبير" لمدمني الخمر المجهولين أن مدمن الكحول لا ينبغي أن يتناول الكحوليات مطلقاً لأن لديه "حساسية" تجاه الخمور. هذه الحساسية تجعله لا يستطيع أن يتناول الخمر بشكل معتدل مثل الآخرين غير المدمنين مهما طالت فترة توقفه عن التعاطي. فمجرد كأس واحدة كفيلة بأن توقظ الإدمان لديه. لذلك هناك هذا الشعار الذي يردده مدمنو الخمر المجهولين: " الكأس الأولى تجعلك مخموراً" One drink makes you drunk لكن يستطيع مدمن الخمر إذا أن يعيش حياة طبيعية عندما يدرك أنه مدمن متعافي. أي أنه يدرك أنه مدمن ولديه حساسية ضد الخمور لكنه يستطيع أن يعيش حياة تعافي طبيعية إذا لم يتناول الخمر مطلقاً. هذا يمكن فهمه بالمقارنة بأنواع الحساسيات الأخرى مثل الحساسية ضد الفول أو غيرها.

مفهوم التعافي ليس فقط قاصراً على التعافي من الإدمان ولكن أيضاً من تعرض لإساءات نفسية وجسدية شديدة في الطفولة سوف يظل يعاني من آثار لهذه الإساءات لفترات طويلة. أيضاً من يصاب بأمراض نفسية مثل الاكتئاب أو القلق أو غيرها يظل، بالرغم من حدوث شفاء من نوبات الإكتئاب الحادة، معرضاً للإصابة بهذه النوبات مرة أخرى، لذلك فينبغي أن يعيش حياة من النضوج الروحي والنفسي المستمر لكي لا يقع في هذه النوبات مرة أخرى.

وإذا تناولنا فكر العهد الجديد فيما يتعلق بالتغيير، فإننا نجد نوعاً من الجدل المستمر بين مفهوم الشفاء الذي يؤكد على كمال التغيير ومفهوم التعافي الذي يؤكد على استمرار الضعف والاحتياج. بالنسبة لمفهوم الشفاء، فإننا نجد صورة "الخليقة الجديدة" التي تشير إلى طبيعة جديدة تنشأ في المؤمن بالمسيح، أما بالنسبة لمفهوم التعافي، فإننا نجد أيضاً صورة "الجسد" أو "الإنسان العتيق" الذي ينبغي صلبه كل يوم لكي نعيش الحياة المسيحية المنتصرة.

أهمية مفهوم الشفاء

مفهوم الشفاء والتغيير بمعنى الولادة أو الخليقة الجديدة يعطي أمل ورجاء في أن التغيير عطية من الله غير مبنية على صراعنا أو عملنا فالخلق عملية إلهية كاملة تبدأ فينا عند الإيمان بالمسيح. فيقول بولس الرسول في 2كو 5: 17 " إذا كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة: الأشياء العتيقة قد مضت، هوذا الكل قد صار جديداً." وهذا مفهوم يتكرر كثيراً في رسائل بولس في أفسس 4: 22 – 24 و كولوسي 3: 9

أهمية مفهوم التعافي

1) احترام الضعف الإنساني

احترام الضعف والعجز والاعتراف المستمر به يعد مفتاح أساسي لاستمرار التعافي. والكتاب المقدس يقدم هذه الصورة في أكثر من موضع. على سبيل المثال صورة "الإناء الخزفي" وصورة القوة الكامنة في الضعف "حينما أنا ضعيف فحينئذ أنا قوي" (2كو 12: 10)

2) ادراك الاحتياج المستمر للصراع مع الخطية والضعف. فيقول بولس الرسول لأهل رومية في بداية الإصحاح الثاني عشر أن الطريق للتغيير عن الشكل وتجديد الذهن ينبغي أن يبدأ بتقديم الجسد (أي الطبيعة الخاطئة) كذبيحة حية. مفهوم الذبيحة الحيّة يعطي معنى الذبيحة التي تقدم بصفة مستمرة وليس مرة واحدة فحسب.

3) إدراك الاحتياج المستمر للنضوج. بولس أيضاً يتكلم في أعمال 24: 16 عن التدريب المستمر فيقول: " لذلك أنا أيضاً أدرب نفسي ليكون لي دائماً ضمير بلا عثرة من نحو الله والناس." ويتكلم عن التقوى أنها رياضة "روض نفسك للتقوى" (1تي 4: 7) بمعنى الاحتياج المستمر للمواظبة والانضباط الذي تحتاج إليه الرياضة الجسدية.

التعافي والمشورة المتخصصة أو "العلاج النفسي"

تميزت العلاقة بين التعافي والمشورة بالتعقيد عبر السنين. فبالنسبة لكثيرين، العلاقة بمشير متخصص هي السمة المركزية للتغيير والشفاء. لذلك فليس من الغريب أن يعتبر الكثيرون حركة التعافي أنها حركة مضادة للمشورة باعتبار أنها حركة من المساعدة الذاتية التي من خلالها يحاول المحتاجون للشفاء مساعدة أنفسهم دون الاحتياج للمتخصصين. على الجانب الآخر يعتقد البعض في مجتمع التعافي، خصوصاً الذي حصلوا على تعافي وتغيير بدون الاحتياج للعلاج النفسي والمشورة المتخصصة أن مثل هذه الأمور مضيعة للوقت والمال. على أي حال هناك نقاط للاتفاق والاختلاف بين التعافي والمشورة.[2]

نقاط الاتفاق

1) كل من التعافي والمشورة يحترم الألم الشخصي للإنسان ويتناوله بالجدية والاحترام.

2) كل من التعافي والمشورة يتخذ من التغيير الشخصي هدفاً أساسياً.

3) كل من التعافي والمشورة يتفهم أن هذا التغيير هو عملية من النمو تستغرق وقتاَ طويلاً.

نقاط الاختلاف

استراتيجيات المشورة (العلاج النفسي) استراتيجيات التعافي

النموذج النموذج المهني نموذج المساندة المتبادلة

النسق غالباً النسق الفردي (واحد لواحد) غالباً نسق المجموعة

التكلفة تكلفة عالية تكلفة تكاد تكون منعدمة

الفئة المستهدفة أساساً كل البشر، لكن في واقع الأمر لا فئة محدودة بمن يعانون

يستطيع الوصول لهذه الخدمة والاستفادة منها من مشكلة خاصة وليست

إلا من يمتلكون الموارد المادّية و/ أو القدرات بامتلاك موارد أو صفات

المعرفية خاصة.

الأهداف متعددة محدودة بالتعافي من مشكلة ما

الروحانية متواجدة بقدر التكامل بين الروحانية وأسلوب الروحانية جزء أساسي

العلاج المتبع . التعافي رحلة روحية.

الإدمان

التعريف الطبنفسي

يتناول الدليل التشخيصي والإحصائي للأمراض (الأمريكي) في نسخته الرابعة، إدمان المخدرات فقط ويعرفه بالاعتماد على المواد Substance Dependence ويعرفه كما يلي:

نمط لاتوافقي من استخدام المواد يؤدي إلى ضغط أو اضطراب دال إكلينيكاً، يظهر في صورة ثلاث أعراض أو أكثر مما يلي في أي وقت خلال فترة أقصاها 12 شهراً:

(1) تزايد الاحتمالية للمادة في صورة إما:

(أ‌) الاحتياج لكميات أكبر من المادة لتحقيق التأثير المطلوب.

(ب‌) تناقص كبير لتأثير المادة مع الاستخدام المستمر لنفس الكمية.

(2) أعراض الانسحاب وتظهر في صورة

(أ‌) أعراض خاصة مميزة لانسحاب المادة بعينها

(ب‌)استخدام نفس المادة أو مادة شبيهة بها لتفادي أو التخفيف من هذه الأعراض.

(3) تناول المادة بكمية أكبر أو لوقت أكبر مما كان يقصد المستخدم.

(4) رغبة مستمرة أو محاولات متكررة غير ناجحة للتقليل أو التحكم في استخدام المادة.

(5) قضاء وقت طويل في أنشطة ضرورية للحصول على المادة أو في تعاطي المادة أو للتعافي من

آثارها.

(6) التخلي أو التقليل من أنشطة اجتماعية أو مهنية أو ترفيهية بسبب استخدام المادة.

(7) الاستمرار في استخدام المادة بالرغم من إدراك التعرض لمشكلات مستمرة أو متكررة سواء جسدية

أو نفسية من الممكن أن تكون قد حدثت أو تفاقمت بسبب المادة.

من الملاحظ أن التعريف الطبنفسي لا يتناول الإدمانات السلوكية الأخرى,.

التعريف النفسي

في مجال العلاج النفسي، أهم تعريفين للإدمان هما: الاعتمادية والسلوك القهري.

الاعتمادية

هو أن يعتمد الإنسان لتحقيق استقرار نفسي داخلي على شيء خارجي. سواء كان هذا الشيء مادّة أو سلوك أو علاقة. هذا يفتح الباب على الفهم العام للإدمان الذي يتضمن إدمانات مختلفة مثل:

1) إدمان الطعام 2) إدمان العمل 3) إدمان المقامرة 4) إدمان الشراعء 5) إدمان العلاقات العاطفية 6) إدمان الجنس 7) إدمان الإنترنت 8) إدمان الغضب 9) إدمان الإنقاذ 10) إدمان الرياضة 11) إدمان التلفزيون 12) التدخين (النيكوتين) 13) إدمان الشهرة 14) إدمان المخاطرة 15) إدمان السرقة 16) إدمان الكذب 17) إدمان الإنفاق. 18) إدمان الألم الجسدي (الماسوكية).

تشترك كل أنواع الإدمان في أنها تسبب "شعور" ما. المخ يمكن أن يدمن ما يعطيه إحساساً معيناً سواء باللذة أو بالإثارة أو حتى بالألم.

السلوك القهري

السلوك القهري هو أي سلوك يشعر الإنسان أنه مقهور أن يفعله. النموذج الأولي هو الوسواس القهريObsessive Compulsive Neurosis وهو السلوك الذي يسيطر على تفكير الإنسان Obsession ويشعر الإنسان بالإلحاح لفعله Compulsion وكلما قاومه كلما ازداد وكأنه دائرة مفرغة كلما تنتهي تبدأ مرة أخرى.



تعريف ثقافة التعافي للإدمان

في ثقافة التعافي (الـ 12 خطوة) نجد تعريف الإدمان في كلمتين تحتوي عليهما الخطوة الاولى من الخطوات الإثنا عشر، وهما العجز Helplessness وفقدان القدرة على إدراة الحياةUnmanageability فتقول الخطوة الأولى من خطوات المدمنين المجهولين: "لقد اعترفنا أننا عاجزون أمام الخمر وأصبحت حياتنا غير قابلة للإدارة." راجع الخطوات الاثنا عشر للمدمين المجهولين).

الصور الكتابية للإدمان

1) السلوك القهري

إِنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّ النَّامُوسَ رُوحِيٌّ وَأَمَّا أَنَا فَجَسَدِيٌّ مَبِيعٌ تَحْتَ الْخَطِيَّةِ. لأَنِّي لَسْتُ أَعْرِفُ مَا أَنَا أَفْعَلُهُ إِذْ لَسْتُ أَفْعَلُ مَا أُرِيدُهُ بَلْ مَا أُبْغِضُهُ فَإِيَّاهُ أَفْعَلُ. فَإِنْ كُنْتُ أَفْعَلُ مَا لَسْتُ أُرِيدُهُ فَإِنِّي أُصَادِقُ النَّامُوسَ أَنَّهُ حَسَنٌ. فَالآنَ لَسْتُ بَعْدُ أَفْعَلُ ذَلِكَ أَنَا بَلِ الْخَطِيَّةُ السَّاكِنَةُ فِيَّ. فَإِنِّي أَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ سَاكِنٌ فِيَّ أَيْ فِي جَسَدِي شَيْءٌ صَالِحٌ. لأَنَّ الإِرَادَةَ حَاضِرَةٌ عِنْدِي وَأَمَّا أَنْ أَفْعَلَ الْحُسْنَى فَلَسْتُ أَجِدُ. لأَنِّي لَسْتُ أَفْعَلُ الصَّالِحَ الَّذِي أُرِيدُهُ بَلِ الشَّرَّ الَّذِي لَسْتُ أُرِيدُهُ فَإِيَّاهُ أَفْعَلُ. فَإِنْ كُنْتُ مَا لَسْتُ أُرِيدُهُ إِيَّاهُ أَفْعَلُ فَلَسْتُ بَعْدُ أَفْعَلُهُ أَنَا بَلِ الْخَطِيَّةُ السَّاكِنَةُ فِيَّ. إِذاً أَجِدُ النَّامُوسَ لِي حِينَمَا أُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَ الْحُسْنَى أَنَّ الشَّرَّ حَاضِرٌ عِنْدِي فَإِنِّي أُسَرُّ بِنَامُوسِ اللهِ بِحَسَبِ الإِنْسَانِ الْبَاطِنِ، وَلَكِنِّي أَرَى نَامُوساً آخَرَ فِي أَعْضَائِي يُحَارِبُ نَامُوسَ ذِهْنِي وَيَسْبِينِي إِلَى نَامُوسِ الْخَطِيَّةِ الْكَائِنِ فِي أَعْضَائِي. وَيْحِي أَنَا الإِنْسَانُ الشَّقِيُّ! مَنْ يُنْقِذُنِي مِنْ جَسَدِ هَذَا الْمَوْتِ؟ (رومية 4: 14- 24) ه

هذه الصورة تشير إلى الطبيعية القهرية الإدمانية لكل أنواع الخطية.

2) السلوك السري

وَلاَ تَشْتَرِكُوا فِي أَعْمَالِ الظُّلْمَةِ غَيْرِ الْمُثْمِرَةِ بَلْ بِالْحَرِيِّ وَبِّخُوهَا. لأَنَّ الأُمُورَ الْحَادِثَةَ مِنْهُمْ سِرّاً ذِكْرُهَا أَيْضاً قَبِيحٌ. لَكِنَّ الْكُلَّ إِذَا تَوَبَّخَ يُظْهَرُ بِالنُّورِ. لأَنَّ كُلَّ مَا أُظْهِرَ فَهُوَ نُورٌ. 14لِذَلِكَ يَقُولُ: «اسْتَيْقِظْ أَيُّهَا النَّائِمُ وَقُمْ مِنَ الأَمْوَاتِ فَيُضِيءَ لَكَ الْمَسِيحُ». فَانْظُرُوا كَيْفَ تَسْلُكُونَ بِالتَّدْقِيقِ، لاَ كَجُهَلاَءَ بَلْ كَحُكَمَاءَ، مُفْتَدِينَ الْوَقْتَ لأَنَّ الأَيَّامَ شِرِّيرَةٌ. مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ لاَ تَكُونُوا أَغْبِيَاءَ بَلْ فَاهِمِينَ مَا هِيَ مَشِيئَةُ الرَّبِّ وَلاَ تَسْكَرُوا بِالْخَمْرِ الَّذِي فِيهِ الْخَلاَعَةُ، بَلِ امْتَلِئُوا بِالرُّوحِ." (أفسس 5: 11- 18)

عرف أحدهم الإدمان بالمعادلة: الإدمان = فقدان سيطرة + عدم أمانة. وتحت عنوان "عدم الأمانة" يمكن وضع عدة ممارسات مثل الكذب (عدم الإمانة مع الآخرين) والإنكار (عدم الأمانة مع النفس) بالإضافة إلى تصغير حجم المشكلة الشخصية والإسقاط ولوم الآخرين وعدم تحمل المسئولية بالإضافة إلى الحياة السرّية المزدوجة التي تتميز بها كل السلوكيات الإدمانية. لذلك فإن من أساسيات التعافي، المواجهة والاعتراف، الذي يسميه الكتاب المقدس هنا "السلوك في النور".

3) العبودية "الوثنية"

" لأَنَّهُمْ إِذْ يَنْطِقُونَ بِعَظَائِمِ الْبُطْلِ، يَخْدَعُونَ بِشَهَوَاتِ الْجَسَدِ فِي الدَّعَارَةِ مَنْ هَرَبَ قَلِيلاً مِنَ الَّذِينَ يَسِيرُونَ فِي الضَّلاَلِ، وَاعِدِينَ إِيَّاهُمْ بِالْحُرِّيَّةِ، وَهُمْ أَنْفُسُهُمْ عَبِيدُ الْفَسَادِ. لأَنَّ مَا انْغَلَبَ مِنْهُ أَحَدٌ فَهُوَ لَهُ مُسْتَعْبَدٌ أَيْضاً!" (2بط 2: 18-19).

تشير هذه الصورة إلى سلب الإرادة والهزيمة أمام اللذة وشهوات الجسد. كما تشير أيضاً إلى الخداع. فالسلوكيات الإدمانية تعد بالحرية والسيطرة على المشاعر والحل السحري لكل المشكلات، لكنه في النهاية لا تقدم ما تعد به من حرية وإنما تؤدي إلى فقدان الحرية.

الإدمان مرض، أم خطية، أم الاثنان معاً؟

ما هي الخطية

أولاً: أعطى الله الإنسان سلطان على الكون لكن هذا السلطان كانت له حدود. لقد تعدى الإنسان على هذه الحدود وأراد أن يكون غير محدود. أراد الإنسان أن يكون إلهاً من خلال عصيانه لوصايا الله ورغبته في أن يعتمد على نفسه ويحاول أن يكون له وجوداً ذاتياً مثل الله. ثانياً: خلقنا الله لكي نكون في علاقة محبة معه، لكننا خنا هذه العلاقة من خلال التمرد. كنتيجة لهذا السقوط، أصبح الإنسان متغرباً عن الله و عن نفسه فاقداً للتوجّه في الحياة. يظهر هذا من خلال تعاملنا غير الصحي مع المال والجنس والسلطة كما أصبح لدينا ميل شديد لأن نخدع أنفسنا والآخرين، بل نحاول خداع خالقنا نفسه!

طبيعة الخطية

في اللاهوت المصلح، قلب الخطية هو عدم الإيمان وقساوة القلب التي تؤدي إلى رفض التوبة والرجوع إلى الله. الأرثوذكسية الحديثة التي بدأت مع رينولد نيبور ثم تيليك ترى أن الخطية تنشأ من الجمع بين اعتماد الإنسان على الله من ناحية و إرادته الحرة المستقلة من ناحية أخرى. هناك نوع من القلق الوجودي بين محدودتينا واحتياجنا إلى الله من ناحية و قدرتنا على الحرية والاستقلال من ناحية أخرى (لعل تلك الآية في المزمور تعبر عن هذه الحالة من الصراع أو التخالف الوجوديExistential Paradox "

هذا القلق الوجودي هو الذي جعلنا نتمرد ونمارس حريتنا بالانفصال عن الله. فنحن لم نحتمل أن نعيشئ معتمدين على الله وأحرار في نفس الوقت. فلكوننا معتمدين في وجودنا عن الله، أدى انفصالنا عنه إلى تغيير طبيعتنا ففسدت طبيعتنا وأصبحنا عاجزين أمام أشياء كثيرة، لكننا ظللنا محتفظين بالقدرة على الاختيار الحرّ . نحن نستطيع أن نختار البر، لكنن لكوننا ساقطين فإننا عادة ما نختار الخطية. الخطية إذاً هي حالة وطبيعة ساقطة، وهي أيضاً فعل و اختيار حر. أي أن الخطية مرض نعاني منه كلنا وهي أيضاً اختيار حرّ نختاره بمحض إرادتنا. يأتي الإدمان ليعبر بوضوح شديد عن هذه الحالة. فالمدمن يختبر العبودية والحرّية في نفس الوقت. يختبر المرض الذي يجعله عاجزاً تماماً أمام موضوع إدمانه وفي نفس الوقت يستطيع ألا يستجيب للرغبة في التعاطي (أو ممارسة السلوك القهري) بمعنى أنه لا يستطيع أن يمنع نفسه من أن تأتي الفكرة إلى ذهنه، لكنه يستطيع ألا يستجيب لها. عندما يدرك المدمن هذه الحقيقة، فإنه يبدأ طريق التعافي.

تعبر حركة التعافي عن هذا المأزق من خلال صلاة السكينة التي تعتبر من أهم شعاراتها ومبادئها والتي تقول: " اللهم امنحني السكينة لكي أقبل الأشياء التي لا أستطيع أن أغيرها والشجاعة لكي أغير الأشياء التي أستطيع أن أغيرها والحكمة لأعرف الفرق بين الاثنين." وهي صلاة يعتقد الكثيرون أن كاتبها أو مقتبسها هو رينولد نيبور نفسه لأنه تعبر عن لاهوته. في هذه الصلاة، الشيء الذي لا نستطيع أن نغيره هو حالتنا الساقطة التي تجعلنا عاجزين أمام أشياء كثيرة في الحياة (موضعات إدماننا) لكن الشيء الذي نستطيع تغييره هو أننا نستطيع أن نبتعد عن هذه السلوكيات ولا نمارسها هذا السلوك في نفس الوقت الذي نحن فيه عاجزون أمامه. عاجزون أمامه لكن قادرون ألا نطيعه! (ضعيف وقوي في أن واحد كما يقول بولس الرسول!). كلما قاومنا ولم نطع عجزنا (صلبنا الجسد، أو لم نزرع للجسد) كلما إزداد مساحة الحرية في حياتنا (زرعنا للروح ) وهذا هو جوهر التعافي (الذي يسمى لاهوتياً "التقديس")



[1] تعتبر أجنس سانفورد (1897- 1980) الأم الشرعية لهذه الحركة

[2] D. Ryan Theology of Addictions

No comments: